01/03/2024
بالأمس سألنا متابعينا الكرام عن أي المدينتين تفضل اتخاذها مسكنًا، مكة أم المدينة، واختلفت أجوبة متابعي صفحتنا، فمن قائل مكة، لأن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، ومن قائل المدينة، لأنها مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفيها جسده الطاهر الشريف، ولأن بها من الهدوء والسكينة ما بها.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية في هذا المقام كلام جميل، خلاصته أن الأفضل يختلف بحسب كل إنسان، فالمكان الذي يعبد المسلم فيه ربَّه أكثر، ويكثر فيه من الأعمال الصالحة، تكون الإقامة فيه بالنسبة إليه أفضل وأحسن من غيرها من الأماكن، حتى لو كان المكان الذي يقيم فيه أقل فضلًا من المكان الآخر، فالعبرة بالأعمال لا بفضل المكان فقط.
قال -رحمه الله-:
"الإقامة في كل موضع تكون الأسباب فيه أطوع لله ورسوله وأفعل للحسنات والخير بحيث يكون أعلم بذلك وأقدر عليه وأنشط له أفضل من الإقامة في موضع يكون حاله فيه في طاعة الله ورسوله دون ذلك...
وإذا كان هذا هو الأصل فهذا يتنوع بتنوع حال الإنسان، فقد يكون مقام الرجل في أرض الكفر والفسوق من أنواع البدع والفجور أفضل: إذا كان مجاهدا في سبيل الله بيده أو لسانه آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر بحيث لو انتقل عنها إلى أرض الإيمان والطاعة لقلت حسناته ولم يكن فيها مجاهدا وإن كان أروح قلبا، وكذلك إذا عدم الخير الذي كان يفعله في أماكن الفجور والبدع، ولهذا كان المقام في الثغور بنية المرابطة في سبيل الله تعالى أفضل من المجاورة بالمساجد الثلاثة باتفاق العلماء...
وقد كتب أبو الدرداء إلى سلمان الفارسي ـرضي الله عنهماـ يقول له: هلمَّ إلى الأرض المقدسة، فكتب إليه سلمان: إن الأرض لا تقدس أحدًا، وإنما يقدس الرجل عمله...
فلا ينبغي للرجل أن يلتفت إلى فضل البقعة في فضل أهلها مطلقا، بل يعطي كل ذي حق حقه، ولكن العبرة بفضل الإنسان في إيمانه وعمله الصالح والكلم الطيب ثم قد يكون بعض البقاع أعون على بعض الأعمال كإعانة مكة حرسها الله تعالى على الطواف والصلاة المضعفة ونحو ذلك، وقد يحصل في الأفضل معارض راجح يجعله مفضولا: مثل من يجاور بمكة مع السؤال والاستشراف والبطالة عن كثير من الأعمال الصالحة وكذلك من يطلب الإقامة بالشام لأجل حفظ ماله وحرمة نفسه لا لأجل عمل صالح، فالأعمال بالنيات" اهـ بتصرف.