07/08/2024
من امام جامع الخديوى محمد توفيق و مشهد رؤيا السيده زينب بالقاهرة - لم تدفن فى مصر
تحقيق و تدقيق : الباحث عمر النعماني
أما عن مدفن السيدة زينب بنت السيدة فاطمة الزهراء، فلم يكن موجودًا بهذا النسب حتى القرن العاشر الهجري (16 الميلادي).
والأدلة على ذلك كثيرة -رغم أن دليلاً واحدًا منها يكفي لإثبات ذلك- وهي:
1- التسجيل الوحيد الذي سجله التاريخ لأواخر أيام السيدة زينب هو ما أورده ابن الأثير المتوفى في سنة 630هـ، في كتابه الكامل في التاريخ، عند حديثه عن حوادث سنة 61هـ؛ بأن الخليفة الأموي يزيد بن معاوية أمر النعمان بن بشير بترحيل السيدة زينب ورفاقها من الشام إلى الحجاز ويبعث معهم رجلاً من أهل الشام أمينًا صالحًا في خيل وأعوان فيسير بهم إلى المدينة المنورة.
2-أن السيدة زينب المتوفاة في حوالي سنة 62هـ، لم يكن آنذاك مكان ضريحها الحالي أرضًا، بل كان جزءًا من نهر النيل. وبعد أن انتقل نهر النيل من هنا ظل مكانه مليئًا بالبرك والمتسنقعات لمدة حوالي 300 سنة. فكان المكان الحالي لمسجد السيدة زينب في عصر الدولة الأموية جزءًا من بركة قارون وهي التي أخذت في التقلص. وكانت بقيتها موجودة حتى نهاية القرن ال19 باسم بركة البغالة.
كما أن بركة قارون كانت في موسم الفيضان تتصل ببركة الفيل حيث كانت تسير فيهما القوارب في هذا الموسم. ولم تستعمل هذه المنطقة للسكن والمقابر إلا في عصور متأخرة نتيجة لتقوية جسور شاطئ النيل. فتوقف غمرها بمياه النيل في موسم الفيضان.
وقد ذكر علي باشا مبارك في الجزء الأول من الخطط التوفيقية أن خط السيدة زينب يقع -في عصره- تحت مستوى فيضان نهر النيل بمقدار من متر إلى متر وثلث. ومن التقاليد الثابتة في مصر منذ العصر الفرعوني وحتى العصر الحاضر أن الناس يتجنبون دفن موتاهم في المناطق الرطبة القريبة من شاطئ النيل، فكانوا يبتعدون إلى حواف الصحاري الجافة.
3-أن ثمة ضريح بمصر للسيدة زينب بنت فاطمة الزهراء لم يذكر مطلقًا في المصادر التاريخية، سواء في المصادر العامة - وبعضها موسوعي- ولن أذكرها هنا لكثرتها، ولا في المصادر
المتخصصة في موضوع الخطط والمزارات القاهرية وهي على سبيل الحصر:
أ. كتاب مرشد الزوار إلى قبور الأبرار لموفق الدين بن عثمان، المتوفى في سنة 615هـ.
ب.كتاب مصباح الدياجي وغوث الراجي وكهف اللاجي لابن الناسخ، الذي عاش في عصر السلطان قلاوون في أواخر القرن السابع الهجري.
ج. كتاب الكواكب السيارة في ترتيب الزيارة لابن الزيات، المتوفى في سنة 814هـ.
د.كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار للمقريزي، المتوفى سنة 845هـ.
هـ.كتاب تحفة الأحباب وبغية الطلاب في الخطط والمزارات والتراجم والبقاع المباركات للسخاوي.
و.كتاب الكوكب السيار إلى قبور الأبرار لعلي بن جوهر السكري.
وذلك رغم أن كتب الخطط والمزارات هذه قد أسهبت في وصف منطقة قناطر السباع
والمعروفة حاليًا بحي ميدان السيدة زينب.
كما وأن الرحالة المسلمين الذين زاروا مصر في العصور الوسطى كانوا حريصين على زيارة المشاهد -الأضرحة- الشهيرة، سواء لغرض السياحة أو لغرض التبرك بها، ومنهم:
أ. الرحالة ابن جبير: وقد عدد في كتابه عن رحلته التي كانت في القرن السادس الهجري مشاهد الشريفات العلويات المدفونات بالقاهرة، لم يذكر بينهم ضريح السيدة زينب بنت فاطمة الزهراء، رغم أنه ذكر ضريحًا آخر للسيدة زينب بن يحيى المتوج بن زيد.
ب. الرحالة محمد العبدري: وقد زار مصر في سنة 688هـ حيث زار مزارت: الإمام الشافعي والسيدة نفيسة والجمجمة المنسوبة للحسين بن علي، لكنه كغيره لم يذكر ضريحًا للسيدة زينب.
4-يوجد في سوريا بلدة قرب دمشق اسمها قبر الست بها ضريح للسيدة زينب في داخل مسجد، ويزوره الناس كثيرًا للبركة. وهو شأنه شأن ضريح القاهرة، لأنها دفنت بالمدينة المنورة كما هو ثابت في التاريخ وفي الواقع الحالي بمقبرة البقيع بالمدينة المنورة.
5- حدث في أواخر عصر دولة المماليك الجراكسة أن نشأت مقولة شعبية بأن السيدة زينب مدفونة بالقاهرة.
وقد قام بنشر هذه المقولة طائفة الأُدباتية والمداحين الذي يجوبون المقاهي والموالد للارتزاق، وهذه الطائفة كانت تقوم بتأليف المواويل التي تجذب الناس إليهم. ولكن اختلفت الأقاويل في تحديد مكانها. فكانت هناك مقولة بأن السيدة زينب مدفونة بقرب قناطر السباع، ومقولة أخرى بأنها مدفونة بقرب جبانة باب النصر.
وقد أرجع هذه الأقاويل مؤرخ المزارات المسمى ابن الناسخ إلى الرؤيا أي الحلم، فقال في صفحة 304 من كتابه (مصباح الدياجي وغوث الراجي وكهف اللاجي): (قبور الرؤيا من النساء مثل زينب الذي بقناطر السباع وزينب الذي بباب النصر وخديجة وعاتكة وصفية وأمة الله بنت زين العابدين).
6-أما أول نص مكتوب عن نسبة هذا الضريح للسيدة زينب، فقد ورد في حكاية سجلها الشيخ عبد الوهاب الشعراني -المتوفى سنة 973هـ- في بعض كتبه مثل كتاب المنن الكبرى، أي بعد حوالي تسعة قرون من وفاة السيدة زينب! فقد حدث في سنة 935هـ أن حلم أحد الأشخاص وهو علي الخواص بأن السيدة زينب مدفونة قرب قناطر السباع، فأخبر الناس بذلك وأصبح يداوم على زيارة هذا القبر البسيط وتنظيفه وعنايته.
وهكذا بدأ هذا الضريح في الازدهار ببطء، بينما أخذ الضريح المنافس له والموجود بجبانة باب النصر في الاندثار بعد أن حسم علي الخواص المنافسة بينهما.
7-منطقة حي السيدة زينب الحالي. بالإضافة إلى كونها جزءًا من نهر النيل إبان وفاة السيدة زينب، فإنها كانت تتناثر حول شاطئها هنا الكنائس القبطية والتي كانت تعرف بكنائس الحمراء
-مثل كنيسة الزهري الشهيرة- رغم المعروف عن العرب المسلمين في العصور الأولى من الفتح الإسلامي أنهم التزموا بالسكنى في أحياء إسلامية خاصة بهم ( الفسطاط - العسكر - القطائع - القاهرة الفاطمية ). كما وأنه من الثابت أن دار والي مصر آنذاك مسلم بن مخلد الأنصاري كانت في مدينة الفسطاط عاصمة مصر آنذاك وليس في ضواحيها.
8- في القرن التاسع عشر لخص العلامة علي مبارك هذا الموضوع، عند حديثه عن مسجد السيدة زينب، في الجزء الخامس من الخطط التوفيقية، في قوله:
(ثم أني لم أر في كتب التواريخ أن السيدة زينب بنت علي رضي الله عنها جاءت إلى مصر في الحياة أو بعد الممات.
9- وأخيرًا جرى تأليف مرويات حديثة لتتفق مع الوضع الجديد بغرض تدعيمه وأرجعوا هذه المرويات إلى عصور قديمة!
وقد قام بهذا الدور حسن قاسم في كتيب ألفه بعنوان (السيدة زينب وأخبار الزينبات) وطبعه ثلاث طبعات في سنة 1929 و1933 و1934م لاقت رواجًا آنذاك، ولا زالت أصداءه موجودة حتى اليوم، ادعى فيه وجود مخطوطين ينتميان إلى القرون الهجرية الأولى فيهما شرح لرحلة السيدة زينب إلى هذه المنطقة، بينما هما في حقيقة الأمر مختلقين ولا وجود لهما في الماضي وفي الحاضر، وهما:
أ. أخبار الزينبات، للعبيدلي.
ب.رحلة الكوهيني.
علمًا بأن هذين المخطوطين المزعومين لم يرد ذكرهما في مؤلفات قدامى المؤرخين على مدى القرون الماضية، فلو كانا موجودين لذكرهما العلامة الموسوعي المقريزي في كتابه: (إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع).
وهنا يعلق أستاذنا البحاثة فتحي حافظ الحديدي - رحمه الله - بقوله: كما وأنه لم يذكر أحد من الباحثين المحدثين (رغم كثرتهم في مصر وخارجها لدرجة التنافس) أنه قرأ هذين المخطوطين والتحقق منهما. علمًا بأن فهارس المكتبات العامة التي بها مخطوطات أصبحت معروفة ومتداولة ومتاحة تمامًا لكافة الباحثين دون حاجة إلى الترحال كما كان يحدث سابقًا. وقد قمت بمراجعة قوائم المخطوطات في سوريا وفي مصر بحثًا عنهما فلم أجدهما.