24/11/2023
أنشئت مكتبة الاسكندرية القديمة علي يد خلفاء الاسكندر الأكبر منذ أكثر من ألفي عام لتضم أكبر مجموعة من الكتب في العالم القديم والتي وصل عددها آنذاك إلي 700 ألف مجلد بما في ذلك أعمال هوميروس ومكتبة أرسطو. كما درس بها كل من إقليدس وأرشميدس بالإضافة إلي إيراتوثيوس أول من قام بحساب قطر الأرض.
أنشئت المكتبة بقرار من بطليموس الأول ’سوتر’ أول ملوك البطالمة الذين توارثوا حكم مصر بعد وفاة الاسكندر، اما المؤسس الحقيقي للمكتبة وصاحب الفضل في نهضتها وازدهارها، فهو بطليموس الثاني ’فيلادلفوس’ الذي حكم مصر مدة تسع وثلاثين سنة من 285 الي 246 قبل الميلاد. وهو الذي وضع نظامها وجلب لها العلماء من العالم الاغريقي، ووفر لها اللغات ’الكتب’ من شتي المصادر، وصارت النموذج الذي اتخذته مكتبات عالم البحر الابيض المتوسط مثالا تحذو حذوه، ومن هنا كانت مكتبة الاسكندرية نقطة الانطلاق نحو ديمقراطية العلم، وتيسيره لعشاق المعرفة.
ولم تكن المكتبة عند نشأتها مجرد مخزن لتجميع الكتب، وانما كانت تقوم علي مؤسستين، اولاهما ’الميوسيوف’ أي المتحف، ويقيم فيه العلماء المتخصصون في كل الفنون، وثانيهما ’المكتبة’ التي تضم لفائف الكتب لتكون تحت بصر العلماء في كل وقت، ويبدو انها كانت موزعة علي مكانين، الاكبر مجاور للميوسيون، والاصغر في معبر ’السرابيوم’. ويمكن ان تري بقاياه عند عمود السواري.
ويبدو أن بطليموس الثاني كان علي درجة عالية من الثقافة وحب المعرفة، فكان يبعث البعوث لجمع الكتب من كل مكان، حتي يتوافر للمكتبة كل روافد العلوم، حتي بلغ مجموع ماتضمه حوالي 750 الف لفافة. وهو الذي حفظ تراث ادباء اليونان العظام، وبعث الي حكومة اثينا يطلب النصوص الاصلية، لمسرحيات ’استخيلوس وسوفو كليس ويوربيوس’، ودفع لليونان رهنا ماليا باهظا، وحين حان وقت ارجاعها خسر الرهان، لانه بعث بدلا منها نسخا مدونة بخط جميل.
ويرجع الفضل الي هذا الملك البطلمي في ترجمة اسفار التوراة الخمسة الي اللغة اليونانية، فقد بعث الي الحبر الاكبر في أورشليم بهدايا ذات قيمة في مقابل النسخة الاصلية للتوراة مصحوبة بسبعين حبرا من احبار اليهود، جاءوا الي الاسكندرية وعكفوا علي ترجمة التوراة ليجعل علوم العالم الاجنبي في متناول رواد المكتبة باللغة الاغريقية، وهي اللغة الرسمية في ذلك الوقت.
وتستمد مكتبة الاسكندرية مكانتها الرفيعة، ليس فقط من جلال الكتب التي جلبتها او ترجمتها، وانما من مكانة العلماء الذين اجتذبتهم وهيأت لهم الاقامة الكريمة لكي ينصرفوا الي شئون العلم والبحث ، وشغل كبار العلماء وظيفة امناء المكتبة، من بينهم ’زنودوتس’ الذى وضع مع علماء اللغة أُسس علوم الأدب مع تحرير ونقد دقيق للكلاسيكيات، وهو اول اغريقي يضع للعالم متنا منقحا لكتابي ’الإلياذة’ و’الاودسا’ اعظم تراث الاغريق، وخلفه في رئاسة المكتبة ’ابوللودنوس’ الاسكندري، وهو مؤلف الملحمة المسماة ’الحملة الارجونيتية’ التى لا تزال تقرأ حتي الآن رغم انها كانت تلائم الذوق القديم، وفي عهده نظم الشاعر الغنائي ’كاليماكوس’ فهرس مكتبة الاسكندرية المشهور الذى قسم الكتب تبعاً لمواضيعها ومؤلفيها، واعتبر كاليماخوس أبا علم المكتبات Library science .
اما ثالث أمين للمكتبة فهو الجغرافي القدير ذائع الصيت ’أراتوستينوس’ الذى أثبت أن الأرض كروية، وحسب محيط الأرض بدقة مذهلة كما تحدث عن إمكانية الإبحار حول العالم ، وذلك قبل 1700 عام من قيام كولومبوس برحلته الشهيرة. ، وخلفه ’اريستوفانيس’ البيزنطي وكانت له شهرة بين العلماء بوصفه ناشر متون الشعر الكلاسيكي وكتابات الفلاسفة الذين سبقوا افلاطون .
ويرجع الفضل لهؤلاء العلماء والكثيرين غيرهم في رسم خريطة الفضاء الخارجي والسماء المحيطة به، وتنظيم التقويم، وإرساء قواعد العلم، ودفع حدود معرفتنا إلى عوالم لم تكن معروفة من قبل. كما أنهم فتحوا آفاق ثقافات العالم، وأقاموا حواراً حقيقياًّ بين مختلف الحضارات وأصبحت الإسكندرية لما يزيد على ستة قرون رمزاً لذروة العلم والتعلم.
El-MOT3A TRAVEL 🌏🚀