21/08/2021
يزخر التاريخ المصري بأشخاص وقامات كبيرة خاضت بطولات مجيدة ساهمت في حفر أسمائهم بحروف من نور في التاريخ ، حتى عرفتهم كل الأجيال، وفي المقابل، أدى آخرون نفس الأدوار الإيجابية ، لكنهم لم ينالوا نصيبا كافيا من الشهرة ، وأصبحوا في طي النسيان و من تلك الشخصيات
حمد الباسل.. ابن الفيوم المغربي وأحد قادة ثورة “19” المنسيين
أصله الذي يمتد إلى المغرب لم ينفِ عنه صفة الوطنية المصرية، والتضحية فداء هذا البلد، كان أحد رموز ثورة 1919، ولكن نسيه التاريخ والمؤرخون، كان يعتز بـ “الوفد” رغم اختلافه مع أعضائه، وكان أحد مناضلي الحرية، الذين تجاهلتهم الكتب، هو حمد بن محمود بن محمد الباسل، الذي يعود نسب عائلته إلى قائد الثورة الليبية ضد الاحتلال الإيطالي، عمر المختار.
ولد حمد الباسل بالفيوم عام 1871 لعائلة من قبيلة الرماح، التي كان والده، احد أعيان الفيوم، عمدة لها حتى وفاته، وخلفه حمد في العمودية بأمر من الخديوي توفيق، فاستثناه، وعينه تقديرًا لمجهودات والده وخدماته للحكومة، وعُين بعدها عام 1910 بمجلس مديرية الفيوم، كما كان من كبار المزارعين، وكانت عائلته تسيطر على كثير من الأراضي الزراعية بالفيوم، وحصل على رتبة الباشوية عام 1914.
كانت علاقته بالقبائل العربية ، التي ينتمي إلى إحداها، علاقة جيدة، وكان يتواصل معهم دومًا ويقابلهم في رحلاته، فقد كان حمد كثير السفر، فزار فرنسا ولندن، وكانت يتكلم لغة البلدين بإتقان، واستطاع خلال رحلاته تلك أن يكوّن العديد من المعارف، وخبرته بمجال الزراعة جعلت حاكم السودان يقوم باستدعائه ليزور السودان ويقدم أراءه في زراعتها.
طريقه نحو الدفاع عن الاستقلال ومقاومة الإنجليز بدأ مع أول لقاء له بسعد زغلول عام 1908، أثناء زيارة الأخير للفيوم، وقال سعد عن هذا اللقاء في مذكراته: ” أعجبت بحمد الباسل، هو عربي شجع العلم كثيرًا بتنشئة معاهده”، فقد أنشئ الباسل مدرسة باسمه، في هذا الوقت، تنقسم إلى التعليم الإبتدائي والثانوي، وكانت مسماه على اسمه، وهي الآن (مدرسة الباسل الإعدادية).
وظل الباسل وسعد على علاقة وتواصل مع سعد زغلول، وفي أعقاب تشكيل الوفد المصري عام 1918 انضم له حمد، وكان كثيرًا ما يستضيف اجتماعات تشكيل الوفد بمنزله، الذي يقابل منزل سعد زغلول. وأثناء أحد هذه الاجتماعات ألقت قوات الإنجليز القبض على سعد زغلول ورفاقه، وأولهم حمد الباسل، وإسماعيل صدقي، ومحمد محمود، وتم نفيهم في 18 مارس 1919 إلى جزيرة مالطة، الأمر الذي تسبب في ثورة شعبية، مما أدى إلى عودتهم من المنفى يوم 17 أبريل 1919.
بعد عودتهم، وظهور النقاش والاختلاف حول التفاوض مع الإنجليز من عدمه، وضرورة سفر فريق من الوفد إلى لندن، كان الباسل يؤيد التفاوض، ويرى أنه لا فائدة من قطع المفاوضات، ويجب أخذ ما يمكن أخذه من الإنجليز، وكان لسعد زغلول موقف مخالف، ورفض التفاوض مع الإنجليز نهائيًا، ليقدم الباسل استقالته الأولى من الوفد.
لكن ظل انتماءه للوفد أبقى وأقوى رغم استقالته، ففور أن طلب منه سعد زغلول أن يتولى مسئولية قيادة الوفد، لأنه يشعر أن الإنجليز يتربصون به، وبعث له برسالة نصها: ” عزيزي حمد.. الاتجاه إلى الاعتقال.. واجبك أن تعود إلى الوفد.. رأي الأمة هو عدم التفاوض مع الإنجليز.. مقاطعة البنوك والشركات الإنجليزية… تشجيع بنك مصر.. الامتناع عن تشكيل أي وزارة”، لم يتأخر حمد ولبى طلب سعد، الذي صدق حدسه، وقام الإنجليز بالقبض عليه، ومعه مكرم عبيد، ومصطفى النحاس، وفتح الله بركات، وسينوت حنا.
وفور عودة حمد الباسل ليتولى أمور الوفد قُبض عليه هو الآخر، وكان معه 6 آخرين هم: جورج خياط، ومراد الشريعي، ومرقص حنا، وعلوي الجزار، وواصف غالي، وويصا واصف، وصدر الحكم عليهم، وقتها، بالإعدام بتهمة التحريض على تخريب اقتصاد البلاد، حيث كان الباسل أحد مشجعي بنك مصر،الذي أسسه طلعت حرب، كما اتُهموا بالحض على كراهية السلطات، وكان ذلك في 25 أبريل 1922، وصدرت الصحف، حينها، تصفهم بـ “الأسود”، ولكن رضخت المحكمة للضغوط الشعبية، وخففت الحكم إلى السجن 7 سنوات، وتغريمهم 500 جنيه، وفي النهاية أفرجت عنهم في 14 مايو 1923.
وكان عضوًا بمجلس النواب عن دائرة “أبو جندير” بالفيوم في الأعوام 1924، 25، 26، وكان طوال هذه الفترة وكيلًا لمجلس النواب،
اهتم الباسل بالثورة الليبية ضد الاحتلال الإيطالي، وكان يساعد المهاجرين الليبين في مصر، وتبرع لهم بحوالي 500 فدان من أرضه ليقيموا عليها، وكان يريد إقامة حفل تأبين لـ “عمر المختار” بعد إعدامه عام 1931، ولكن رفض إسماعيل صدقي، رئيس الوزراء، وقتها، ومنع إقامته، خشية أن يتحول الحفل إلى مظاهرة سياسية لرفض حكمه.
انشق الباسل عن الوفد مرة آخرى عام 1932، وشكل الحزب السعدي، نسبة إلى سعد زغلول، الذي شاركه فيه فخري عبد النور، وعطا عفيفي، وعلي الشمسي، وفتح الله بركات، ومراد الشريعي، وعلوي الجزار، ليشتد عليه المرض بعدها بفترة، ويعتزل العمل السياسي، ويعتزل الحياة ويرحل عن دنيانا عام 1940