منذ الفتح الإسلامي لبلاد الشام, بدأت طرابلس بالنمو والتوسع حتى أصبحت في العصر العباسي عاصمة فكرية وثقافية مرموقة. ثم في حكم بني عمار, غدت المدينة دار علم تحوي أكبر المكتبات العلمية بعد مكتبة بغداد في تلك الحقبة حيث كانت تضم عشرات الآلاف من الكتب المخطوطة, والتي للأسف أتلفت بعد الغزو الصليبي للمدينة.
عاودت المدينة نشاطها العلمي والفكري بعد التحرير المملوكي على يد السلطان قلاوون الناصري رحمه الله,
ومنذ ذلك الوقت أعطاها المماليك أهمية لم تحظ بها سائر المدن على الساحل الشامي حتى صارت طرابلس عاصمة للدولة المملوكية وصارت في الأهمية الإدارية ثالث المدن الشامية بعد دمشق وحلب, وهذا يفسر غنى المدينة بالآثار المملوكية حيث إنها أغنى مدن الأرض بآثار الدولة المملوكية بعد القاهرة. هذا وقد استمر التطور العلمي في المدينة في العصر المملوكي وخير شاهد على ذلك كثرة زوارها وقاصديها من العلماء والأدباء كالحافظ الذهبي والحافظ ابن حجر العسقلاني وابن منظور صاحب لسان العرب وغيرهم, بالإضافة إلى علمائها وحفاظها الذين ذاع صيتهم في البلاد كالشيخ شمس الدين الإسكندري والشيخ شمس الدين بن زهرة خطيب الجامع المنصوري الكبير وولده الشيخ تاج الدين وغيرهم. وشهدت طرابلس ازدهارا علميا كبيرا في العصر العثماني والذي صارت فيه طرابلس إحدى ولايات بلاد الشام الثلاثة وهي دمشق وحلب وطرابلس وكثرت فيها المساجد والمدارس التي زادت على الثلاثمائة حين زارها الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي رحمه الله والتي عمرت بالعلماء والمشايخ والطلاب فضلا عن مكتباتها التي أسسها علماؤها كالمكتبة الميقاتية وغيرها والتي وقفت لطلاب العلم الذين كانوا فيها بالألاف. وقد خرجت طرابلس في تلك الحقبة -أي العثمانية- المئات من المشايخ من أبناء المدينة وغيرهم فمنهم من لازم فيها التدريس وذاع صيته في البلاد الإسلامية وقصده الطلاب من مختلف البلاد كالشيخ أبي المحاسن القاوقجي مسند البلاد الشامية والشيخ محمد رشيد الميقاتي الكبير ومنهم من رحل إلى بلاد أخرى ليفيد ويستفيد وراح يتصدر كبار مشايخ تلك البلاد كالشيخ عبد القادر الرافعي الطرابلسي مفتي الديار المصرية والشيخ عبد الرحمن الشلبي مفتي الحنفية في المدينة المنورة وغيرهم. وهكذا صارت طرابلس تعرف بمدينة العلم والعلماء. وبسبب قلة الاهتمام بهذا التراث العظيم التي تتمتع به طرابلس تراءى لنا أن ننشأ هذه الصفحة لتسليط الضوء على تراث علماء المدينة وأدباءها فضلا عن تاريخها العمراني من مساجد ومدارس وزوابا وتكايا خرجت الجمع الغفير من أهل العلم والتي للأسف تشهد اليوم إهمالا كبيرا.