17/04/2021
هل تعرف اسطورة هذه الصخرة العجيبة التي تقع في الأندلس؟؟ عندما يجتاز المسافر بين غرناطة و إشبيلية بلدة أنتقيرة تتراءى له عن بعد صخرة عظيمة يُطلق عليها اسم "صخرة العشاق". يرى المسافر اللون الرمادي للصخرة الكلسية المناقض تماما للونين البني و الأخضر للأراضي الفلاحية المحيطة بها. و عندما يركز نظره على الصخرة يرى كأنها وجه رجل من الهنود الحمر منبثق من الأرض, لهذا تُسمى أيضا ب"الهندي الأحمر الأنتقيري". أما عن سبب تسميتها بصخرة العشاق, فهو سيناريو لأكثر الأساطير الشعبية انتشارا بأندلوسيا.
تعود الأسطورة, حسب الرواية المنتشرة, إلى القرن الخامس عشر لمّا كانت أنتقيرة مدينة حدودية بين مملكتي قشتالة و غرناطة, حيث سقط شاب نصراني في أسر الغرناطيين. فحدث أن ابنة الحاكم المسلم للمدينة, و خلال زيارتها لزنازين والدها, التقت صدفة بالأسير, و كما يحدث في كل الأساطير, أحبّ الشابان بعضهما حبا جما.
حب الأندلسية للأسير دفعها لمساعدته على الفرار من زنزانته و من تمَّ هربا معا. غير أن أتباع ملك غرناطة,فطنوا للأمر و طاردوهما, فلم يجد العاشقان من ملجئ سوى قمة صخرة توجد في مدخل أنتقيرة. فحاصروهما, و لما أحسّا بصعوبة وضعيتهما و أنهما لا محالة سيؤسران, اتخذا آخر قرار في حياتهما و ارتميا من أعلى قمة الصخرة. فسميت لذلك بصخرة العشاق.
رواية عاطفية كهذه شكلت مادة دسمة للمؤلفين في القرون الموالية, أهمهم واشنطن إرفينغ (1783-1859) صاحب كتاب "أخبار سقوط غرناطة". لكن أسطورة صخرة العشاق انتشرت قبل ذلك بكثير باللغة اللاتينية عبر رائد مذهب الإنسانية الفيلسوف الإيطالي لورينزو فالا (روما, 1405-1457) الذي أورد قصة العاشقين في تأريخه لسيرة فرناندو الأراغوني المعروف أيضا بفرناندو الأنتقيري. (1)
و بعد سقوط أنتقيرة بيد القشتاليين سنة 1410, كانت شعبة النحو بمدرسة الكنيسة تتضمن ترفيها يهواه الطلبة, يقوم على كتابة نهايات مختلفة لأسطورة "صخرة العشاق". (2)
أما الأديب ثرفنتس فقد ذكر في الجزء الخامس من روايته الشهيرة "دون كيخوتي" قصة شبيهة لعشاق أنتقيرة لكن بنهاية سعيدة و بعد سقوط المدينة بيد القشتاليين, و كان بطلها ابن سراج الذي أحب الحسناء شريفة النصرانية فأُسر ذات مرة قريبا من المكان الذي كانت تنتظره فيه حبيبته.
منظر يجمع حمراء غرناطة و صخرة أنتقيرة.
و مما لا شك فيه أن سبب التسمية بصخرة العشاق يعود لحدث وقع قبل القرن الخامس عشر بقرون كثيرة, ففي أعلى الصخرة عُثر على حصن روماني صغير يُدعى "للعاشقين". و مما يعزز هذا الطرح أن اسم "صخرة العشاق" كان يُطلق على تلك الحجرة منذ القرن الثاني عشر الميلادي و بالضبط في فترة حكم الموحدين, حيث ذكرها بليغ شرق الأندلس, الوزير ابن مغاور الشاطبي (ولد 502ه – حوالي 1120م, توفي 587ه – 1200م) في رسالة "ذكر المراحل" إلى الأمير الموحدي يوسف بن عبد المومن حين مروره بأنتقيرة, و قال فيها: "…و اجتزنا على صخرة العشاق, و قطعنا دونها كل حدب و شاق…" (3)
و المعلوم أن نصف الأندلس الجنوبي, في هذه الفترة, كان بيد المسلمين, بما فيه أنتقيرة التي كانت في قلب الدولة الإسلامية الأندلسية آنذاك, و ذِكر الوزير ابن مغاور للصخرة دون تعريف يدل على شهرتها بهذا الاسم منذ أمد بعيد, مما يوحي بأن المسلمين ورثوا الاسم عن الأمم السابقة.
أما قصة الشاب النصراني و الأميرة الأندلسية المرتبطة بالعصر الغرناطي فلا تعدو كونها رواية من نسج الخيال و استعمالا لاسم الصخرة العاطفي الرنان في قالب رومانسي-تراجيدي جسدته شخصيات عاشت في تلك الفترة.
الهوامش
(1)تُرجمت هذه السيرة مؤخرا من اللاتينية إلى القشتالية.
(2)مقال "صخرة العشاق".جريدة الباييس الإسبانية عدد 19 يوليوز 2005.
(3) "ابن مغاور الشاطبي, حياته و آثاره: دراسة و تحقيق" محمد بن شريفة, ص 173.
" صلة الرحم بالأندلس "