17/05/2023
من تاريخ بنزرت والوطن:
" مسيرة الحبيب حنيني" من سجون الإحتلال إلى إعدام دولة الإستقلال: 24 جانفي 1963"
« Tout citoyen est obligé de mourir pour sa patrie, personne n'est obligé de mentir pour elle ». Montesquieu , (pensées ,n 838)
" كل مواطن مجبرليموت من اجل وطنه ، لا أحد مجبرليكذب عليه "
المقدمة :
يعتبر المناضل الحبيب حنيني شخصيّة مؤثّرة في التاريخ الوطني لمشاركته في عديد الأحداث والمحطّات المفصلية في تاريخ الحركة الوطنية التونسية وتاريخ دولة ما بعد الإستقلال . ارتبط بالذاكرة الوطنية والشعبية مع مؤامرة ديسمبر1962 لكن تناست الكتابات التاريخية عمدا ؟ أو سهوا ؟ نضاله ضد الإستعمار الفرنسي من اجل الاستقلال.
-1- تعريفه :
المناضل الوطني محمد الحبيب بن عبد الرحمان بن احمد حنيني ( ولد ببنزرت في 17 جويلية 1929- أعدم في 24 جانفي 1963 في مكان مجهول ) ، يعود نسب عائلته الى قبيلة عربية في شبه الجزيرة العربية حول وادي "حنين" بين مكة والطائف ، ساهمت في التوسّعات الاسلامية بمصر والشام والعراق وإفريقية والمغرب. جدّها المؤسس حنين بن سرحان من ذريّة محمّد بن أوس الأنصاري الذي دخل الى بلاد المغرب الاقصى في حدود 93ه/ 711 م (1) ثمّ دخلت افريقية ( تونس) في اطارالحركة الصوفية الشاذلية مع أبي الحسن الشاذلي في القرن 7ه/ 13 م.(2) .
اشتغل الحبيب حنيني منذ صغره حدادا ثم اشتغل ببلدية بنزرت كعامل في البداية ثم تدرج الى رتبة راقن بعد حصوله عل شهادة في الرقن سنة 1956ثم تولى خطة ناضر أشغال ببلدية بنزرت بين 1958 – 1961. (3)
-2- نضاله السياسي :
مسيرة هامة لمناضل وطني سياسي دستوري ومقاوم ميداني انخرط منذ شبابه في العمل الوطني والدفاع عن القضية التونسية (4) برز خصوصاً منذ ثورة جانفي 1952 ببنزرت بتزعمه المقاومة المسلحة بالمدينة ضد القوات الإستعمارية صحبة عديد المناضلين بصناعته للمتفجرات سرّا بمحله للحدادة ومهاجمتهم للمنشئات الاستعمارية خاصة مقر مصلحة البريد يوم 16 جانفي ببنزرت المدينة و17 جانفي 1952 بفرفيل وجرزونة ويتأكّد ذلك من خلال الشهادة التي اوردها محمد صالح البراطلي والمحفوظة بالمعهد الاعلى لتاريخ الحركة الوطنية : " طلب مني قدور حمامة أن أتصل بصديقي محمد بنّي وهو صياد أسماك كان يستعمل في عمله الديناميت وان اطلب منه مدّي بكمية منه... أخفيتها في منزل والدي ثم اتصلت بقدور حمامة وابن صابر ... كان الاتفاق معهما ان اكون عصابة ممن اثق فيهم وقد ضمت هذه المجموعة محمد كبير، علي الكشك ، مختار بن سعيد وعبد المجيد الصدقاوي ... كنا نقوم بعمليّة مساء كل سبت ... الى ان كانت عملية البوسطة التي أعد لها الحبيب الحنيني وكان زميلي في الكشافة ويشتغل حدادا ... وكان اول شيء وفّره هو ثلاثين قنبلة حديدية أعدها في ورشته وأصبح في ما بعد مسؤولا عن العمليات في بنزرت ... قام حبيب حنيني بتحضير تلك العملية مع الحبيب بن عيسى ... عندما عدت لبنزرت يوم السبت اعلمني الحنيني بمشروعه فوافقت بسرعة .... ولكن علي الكشك هو الذي نفّذ العملية التي كان لها صدى كبير" (5). عّرض هذا النشاط الحبيب حنيني لحكم الإعدام من سلطة الإحتلال ثم خفّف الحكم بالأشغال الشاقة فسجن بسجن مدينة " لمباز" الجزائرية (6) الى حدود 1953 ثم نفي الى" الحراش " بالجزائر الى حدود ماي 1955 ،عانى فيها أشكال التعسف والتعذيب ، ثم كان له نشاط بارز في معركة بنزرت بين 19- 22 جويلية 1961حيث كان المنسّق بين الأمانة العامة للحزب الحر الدستوري الجديد بالعاصمة وقوات الجيش الوطني والحرس والمتطوعين ببنزرت وأوكلت له مهمة المنسق العام للمظاهرات التي انطلقت من ساحة 13 جانفي 1952 بالبياصة ا ثمّ اصبح مساعدا لمندوب الحزب الدستوري ببنزرت '' الطيّب تقيّة " منذ جوان 1956 ، كما تزعّم المظاهرات الشعبية الكبرى ليوم 18 اوت 1961 ببنزرت بدعوة من الحزب صحبة رئيس بلدية بنزرت رشيد التراس وقاد المتظاهرين الى قطع الاسلاك الحديدية الشائكة واختراق الحواجز العسكرية الفرنسية امام ولاية بنزرت للفت النظر حول تداعيات معركة بنزرت الكارثية تم إثر ذلك دخول مقر الولاية وتقديم لائحة للوالي لمساندة قضية بنزرت وتقديمها للرئيس بورقيبة
-3 – مشاركته في المحاولة الانقلابية في ديسمبر 1962:
-أ- الأسباب :
مثلت نتائج معركة بنزرت المأساوية والخسائر الثقيلة البشرية والمادية و نكبة المدينة "الشهيدة " (7) ،تحولا نوعيّا في علاقة الحبيب حنيني ورفاقه بالنظام البورقيبى ،فانزاح الى الشق اليوسفي المعارض بعد اغتيال صالح بن يوسف بفرنكفورت في 12 اوت 1961 في خضم أحداث بنزرت ، وعارض السياسة البورقيبية المتسلطة والحكم الأوحد بجمع سلطتي الرئاسة والحكومة وسن بورقيبة مجموعة من القوانين الاستثنائية ما بين 1957 و1959 قدرت ب375 قانونا تصادر الحريات والاملاك إضافة الى الأزمة الاقتصادية التي كانت تعيشها البلاد نتيجة فشل التوجه الليبرالي لفترة الخمسينات، والشروع في تطبيق سياسة التعاضد منذ 1962 ، وتدعيم التفاوت الجهوي بين الساحل وبقية مناطق البلاد في الشمال الغربي والوسط الغربي والجنوب (8)
عموما يمكن القول ان مؤامرة ديسمبر 1962 عبرت عن حالة من الغضب ، خلقت في تونس ازمة سياسية حقيقية نتيجة الممارسات التي انتهجتها الفئة المنتصرة في الصراع اليوسفي البورقيبي وكانت ردة فعل عما آل اليه الوضع بعد ست سنوات من استقلال البلاد (9).
-ب- من المؤامرة الى الاعدام :
شارك الحبيب حنيني في المحاولة الانقلابية في ديسمبر 1962 ضمن مجموعة العشرين للإطاحة ببورقيبة وتغيير نظام الحكم (10) ، فحكم عليهم بالاعدام يوم الخميس 17 جانفي 1963 بعد اعترافهم بادوارهم في قلب نظام الحكم والمؤامرة وتراوحت الاحكام بين السجن والاشغال الشاقة والاعدام الذي شمل الحبيب حنيني ونفذ الحكم يوم 24 جانفي 1963 بمكان مجهول ولا يوجد أثر لرفاته الى اليوم يرجح انه بمنطقة بوفيشة حسب شهادة أرملته حبيبة حنيني .
« Aujourd’hui, je ne sais pas où il est enterré. Est-ce à Bouficha ? Je l’ignore.(11)
-ت- المواقف من إعدام الحبيب حنيني .
* الموقف الرسمي : اعتبرالنظام البورقيبي ان هذه المجموعة هي من الخونة والغادرين وعمل على تجييش الشعب ضدها خاصة خطاب بورقيبة يوم 18 جانفي 1963 .(12) . كما أدانت النيابة العمومية الحبيب حنيني بكونه لم يتحصل على خطة مندوب للحزب بباجة كما وعده زعماء الحزب الدستوري بسبب نضاله فانضم للمعارضة اليوسفية ، بقول ممثلها : " أنه لم يحصل على رغبته ... لأنه أبلى البلاء الحسن ببنزرت ولم يجاز ... فانحدر الى ميدان المعارضة وسرعان ما اصبح متمردا بينما هو يمثل الحزب الذي هو عماد الدولة " (13) .
* موقف المقربين : اعتبر أن المحاكمات قاسية وغير عادلة في مدة وجيزة وحرم المتهمون من حق الدفاع واجبروا على إعترافات تحت التعذيب واستنكر رفض محكمة التعقيب لطعون المتهمين وهو ما ينافي المادة 29 من الباب الخامس من القانون العسكري بالرائد الرسمي الصادر بتاريخ 11 جانفي 1957.
وخاصة موقف العائلة ولا سيما شهادة أرملته حبييبة حنيني التي اعتبرت " انها تعرضت لمضايقات رغم انها ليست على علم بما فعله زوجها ومنعت العائلة من المرافعة ... وأنه أعدم عن سن 33 سنة تاركا ثلاثة ابناء بسن 4سنوات و3 سنوات و6 اشهر كما تخلى عنهم الجميع وتحملت العائلة أعباء تربية الابناء في ظروف صعبة بعد مصادرة املاكها رغم ما قدمته من مساعدات للمقاومين في معركة بنزرت " « Après le complot, ils m’ont harcelée et interrogée à Tunis. Je me suis défendue en leur disant que je n’étais pas au courant de ce qu’il faisait. Ils l’ont arrêté à Bizerte. On nous a interdit de lui choisir des avocats. J’ai appris par la radio et la presse ce qui s’est passé et aussi son exécution. Il avait 33 ans et moi 25, avec trois enfants sur les bras (4 ans, 3 ans et six mois ) ...Quand je pense que, pendant la Bataille de Bizerte, ma maison était grand ouverte ! Je faisais la cuisine et lavais le linge de tous les militants qui venaient chez nous. J’ai même aidé à transmettre des documents jusqu’à Tunis, en défiant le contrôle des paras... J’ai élevé mes enfants dans des conditions difficiles vu que nos biens ont été confisqués .(14) »
* المواقف المحايدة و الحقوقية :
استنكرت عديد الاطراف عقوبة الاعدام وخاصة الاعدام السياسي وطالبت بالغائه واعتبرته يعارض حقوق الانسان مثل التعذيب والعبودية ... وادانت الاعدامات السياسية في الحقبة البورقيبية بين 1956- 1987 وانتقدت إعدامات 24 جانفي 1963 و باقي العقوبات وظروفها التي طالت بقية المتهمين .
« L’abolition de la peine de mort est aujourd’hui le nouveau front universel des droits de l’homme. Elle touche l’ensemble des sociétés, des continents et des civilisations. Tout comme l’esclavage ou la torture avant elle…
L’histoire de la peine capitale en Tunisie reste à écrire… Cent vingt-neuf personnes ont été exécutées en Tunisie sous le règne d’Habib Bourguiba, entre mai 1956 et octobre 1987. Père de l’indépendance et premier président de la République tunisienne, Bourguiba était un inconditionnel de la peine de mort, en matière politique…
Le 24 janvier, l’exécution des conjurés est annoncée par un communiqué lu à la radio. Dix condamnés à mort ont été passés par les armes à l’aube: cinq militaires – Amor Bembli, Salah Hachani, Kébaïr Meherzi, Mohamed Barkia et Abdessadok Ben Saïd – et cinq civils – Lazhar Chraïti, Abdelaziz El Akremi, Hédi Gafsi, Habib Hanini et Ahmed Rahmouni. Le Président a accordé sa grâce à Moncef El Materi et Hamadi Ben Guiza, et commué leur condamnation en une peine de travaux forcés à perpétuité. Les survivants du complot sont transférés au bagne de Porto Farina, puis à la prison de Nadhor, au nord de Bizerte, où ils passeront plusieurs années enchaînés, dans des cachots obscurs, livrés à la vermine et à l’humidité. Tous finiront cependant par être graciés et libérés, le 31 mai 1973. (15)
كما استنكرت الحقوفية والصحفية نورة البرصالي هذه الاعدامات في مقال لها بعنوان : " هل كان يجب اعدامهم ؟
Fallait-il les tuer ?(16).
هل ان اعدام حنيني ورفاقه كان مناسبة للنظام البورقيبي الناشئ للتخلّص من اصدقاء النضال الذين باتوا يشكّلون عبئا عليه ؟
هل هم خونة للوطن أم خونة لبورقيبة الذي يقدرون انه خائن بتوقيع بروتوكول استقلال منقوص في 20 مارس 1956 والزج ببنزرت في محرقة كان يمكن تلافيها بين 19-22 جويلية 1961 (17) ، دفعت ثمنها بما يقارب 7000 شهيد ودمارلمبانيها وبنيتها ومعالمها ؟
هل دفعت بنزرت بنضالها ومشاركتها في معارضة التوجه البورقيبي ثمن ذنب لم تقترفه ولا تزال تعاني تبعاته على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمجالية... إلى اليوم ؟
التاريخ سيجيب !
هكذا انتهت المسيرة النضالية للحبيب الحنيني من " مقاومة الإستعمار الى اعدام دولة الاستقلال" . لكن لم ينل حظّه في التاريخ الوطني شأنه شأن باقي مناضلي بنزرت ( احمد بن صابر ، محمد صالح البراطلي، الهادي القفصي ، المسطاري بن سعيد ، قدور الصدقاوي " حمامة" ، الحبيب النوري، الحبيب بن عيسى ، محمد كبير ، مختار بن سعيد علي السعدي... عبد المجيد الصدقاوي ، الهادي القفصي ، محمد دربال قدور بن يشرط وغيرهم كثير...)
عماد الدهماني . بنزرت في 25 جانفي 2022
المصادر :
(1) : ابن ناجي ، " معالم الإيمان في معرفة اهل القيروان " ج1 ص 145.
(2) محمد المي الياسيني: " لمحة تاريخية عن قبيلة أولاد حنين الأنصارية " ص47
(3) : فوزي فليس : عائلات بنزرت : تاريخها ومشاهيرها ص 184-185
(4):شهادة السيدة حبيبة حنيني ارملة الحبيب حنيني وردت بمجلة حقائق جويلية 2006
(5) : عميرة علية الصغيرو عدنان المنصر : المقاومة المسلحة في تونس .ج2 (1939-1956) ص 120-121
(6) : حبيبة حنيني : مصدر مذكور سابقا المصدر:
(7) :ستينيّة معركة بنزرت 19 -22 جويلية 1961 " قراءات وتساؤلات . ص 63 (8) :مجلة علوم انسانية العدد 18، السنة الثانية – فيفري 2000
(9): ادريس رائسي:احمد الرحموني:مسيرته ومصيره اثرالصراع اليوسفي – البورقيبي(1920-1963).ص204
(10) : جريدة الصباح ، العدد 3197 ليوم الثلاثاء 1 جانفي 1963
(11) : Habiba v***e Habib Hanini. Réalité, Juillet 2006
(12) : جريدة الصباح ، العدد 3215 ، الاحد 20 جانفي 1963
(13) : نفس المصدر السايق . (14) : Habiba v***e Habib Hanini. Réalité, Juillet 2006
(15): « Enterrés vivants : Une monographie de la peine de mort en Tunisie » Samy Ghorbal , Héla Ammar, Hayet Ouertani et Olfa Riahi .p7,20,21,30,31.
(16) : La Presse de Tunisie le 07 - 09 - 2012
(17) : ستينيّة معركة بنزرت 19 -22 جويلية 1961 " قراءات وتساؤلات . ص47
منقول من عماد الدهماني
الله يرحمهم