14/09/2023
مقال رائع جدا
شكرا استاذنا الفاضل ودايما نتعلم من حضرتك
النيروز " رأس السنة المصرية"
من عيد قومي الي عيد ديني منسي
في كل عام ميلادي وتقريباً في الثاني عشر من شهر سبتمبر يأتي بداية السنة المصرية - القبطية ، وهو أقدم إحتفال إجتماعي شعبي عرفه المصريين منذ فجر التاريخ ونظراً إلى أهمية التعريف بهذا اليوم سوف نتحدث عن تاريخه حتي اندثاره بين المصريين.
تعد تسمية هذا اليوم من الإشكاليات التي لم يجتمع عليها أحد فتباينت الآراء حول التسمية فهناك من قال إنها من اسم الجنة عند قدماء المصريين ( ايارو وتعني حقول القصب الأبدية) ومنهم من ارجعها الي تحريف لفظ الأنهار ني ياروو القبطية ومنهم من قال إن المصريين اكتسبوها من الفرس لتطابق اللفظ ،اما البرديات المصرية القديمة فتذكره تحت تسمية مفتاح العام والمخطوطات القبطية تلقبه بأكليل السنة.
أما التسلسل التاريخي للاحتفال بعيد النيروز عند المصريين فيرجعه البعض الي مقمعة ( آله حربية) المنسوبة للملك العقرب ( أحد ملوك ما قبل الاسرات) وهو يرتدي زي احتفالي ويمسك بفأس يضرب به الارض،بينما تذكر بردية تورين عدد مرات احتفال كل ملك مصري ببداية العام ، ومن الجداريات في معبد الرامسيوم الخاص برمسيس التاني ما يمثل احتفاله بهذا العيد والكثير من الإشارات إليه في المقابر المكتشفة في طول القطر المصري وعرضه.
يذكر أيضاً المؤرخين اليونان امثال هيرودوت و ديودور الصقلي وبلوتارخ احتفال المصريين بهذا العيد حتي في عصور الاضمحلال والاحتلال الفارسي وحتي مجئ الاسكندر الاكبر ومن تبعه من ملوك مصر من البطالمة الذين برغم عدم انخراطهم بقوة في الحياة الاجتماعية المصرية لكنهم حافظوا علي الاحتفال بهذا اليوم للتدليل علي مصريتهم أمام الشعب.
في عهد الإمبراطورية الرومانية القديمة التي كانت مصر جزءًا منها حرص بعض الأباطرة علي المشاركه في هذا العيد عن طريق ارسال التهنئة الي الشعب والكهنة في المعابد المصرية والأمر بتوزيع اللحوم والأطعمة علي الشعب.
قام الامبراطور الروماني ثيؤدسيوس الكبير بإصدار مرسوم ٣٨٣ ميلادي الذي جعل الدين المسيحي هو الدين الرسمي الإمبراطورية ومنع أي احتفالات غير الاحتفالات المسيحية واليهودية فقام بطرك ( باتري ارخون - كلمة يونانية تعني رئيس الرؤساء ،وهو لقب اكبر رتبة مسيحية في مصر) الإسكندرية توفيلس ال ٢٣ بجعل عيد النيروز أحد الاعياد والمناسبات الدينية واستمر الإحتفال به بشكل رسمي حكومي وشعبي حتي دخول العرب.
يروي لنا ابن عبد الحكم في فتوح مصر والمغرب أن من ضمن امان عمرو بن العاص الذي أعطي الي أقباط مصر عدم المنع من إقامة شعائرهم والاحتفال بأعيادهم ومنها عيد النيروز ، كما يذكر لنا الكندي في كتابه ولاة مصر وقضاتها أن بعضا من ولاة مصر في عهد الأمويين والعباسيين شارك في احتفالات الأقباط الشعبية من التنزه في النيل والخروج الي المزارع والحقول واكل الفواكة والخضروات الطازجة في هذا اليوم.
يذكر البلوي في كتابه سيرة احمد بن طولون أنه شارك هو وابنه خماروية في احتفالات الأقباط بالنيروز وتبادل معهم الهدايا ومظاهر التهنئة ، أما جمال الدين ابو المحاسن يوسف بن تغري بردي يذكر في النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة أن محمد بن طغج الاخشيد وكذلك ابو المسك كافور الاخشيدي قد شاركوا المصريين في الاحتفالات الشعبية بيوم النوروز ( كما ذكره بتسمية فارسية).
وكما أن للفاطميين النصيب الأكبر من الاحتفالات الشعبية المستمر بعضها الي الان في مصر قام خلفاء الفاطميين بالاشتراك مع المصريين ( مسلمين و مسيحيين) بالاحتفال بهذا العيد ومما يذكره لنا تقي الدين المقريزي في اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء وأيضاً القلقشندي في كتابه صبح الاعشى في صناعة الانشا أن الاحتفال بهذا اليوم قد وصل إلي ذروته في تلك الحقبة الزمنية فقد كان الخلفاء يصدرون عملات احتفالية ( خراريب) توزع على الناس وأيضاً يقوموا بتوزيع اللحوم والأطعمة والأسماك المملحة بل يخرجون الي المتنزهات وأقاموا المتنزهات علي النيل لذلك وخرجوا بأنفسهم للاحتفال مع المصريين حتي نهاية عهدهم .
في عهد الايوبيين لم تكن الدولة مهتمة بالمظاهر الإحتفالية في المجمل حتي الاسلامي منها ( عيد الفطر وعيد الأضحى) لم يكن هناك احتفالات من السلطان أو الحكومة المصرية لكن استمرت الاحتفالات الشعبية المصرية في طول البلاد المصرية بهذا اليوم .
أستمر حكام المماليك الاوائل علي نفس النسق الايوبي حتي مجئ الظاهر بيبرس البندقداري الذي أعاد المظاهر الاحتفالية في مصر من جميع النواحي بل وشارك فيها أيضاً ومن بعده ابنه السعيد بركة خان وأيضاً المنصور قلاوون وابنه الناصر محمد في سلطنه الاولى.
بعد اعتزال الناصر محمد بن المنصور قلاوون الحكم وتولي المظفر بيبرس الجاشنكير السلطة أمر بمنع الاحتفالات الشعبية بيوم النوروز وعاقب من خرجوا للاحتفال بالجلد وعندما عاد الناصر محمد الي السلطة مرة أخري أعادها ثم منعها بسبب أحداث الشغب التي احدثها المماليك الأتراك مع الشعب المصري وانحصر الاحتفال بهذا اليوم داخل جدران الكنائس المصرية كبداية للتقويم المصري .
أستمر استعمال التقويم المصري ( القبطي ) عل نطاق حكومي ( كان يتم تسجيل الضرائب الزراعية بناء على هذا التقويم) وشعبي طوال حقبة المماليك ومن بعدهم العثمانلية حتي صدور قرار اعتماد التقويم الميلادي كتقويم أساسي للدولة أثناء حكم الملك فؤاد ( كان يستخدم التقويم القبطي في المعاملات الزراعية والمالية أما الهجري في المعاملات الرسمية والشرعية).
كل عام ومصر والمصريين في كامل الصحة والعافية والتوفيق والسداد والسعادة والخير والبركات أن شاء الله تعالى .
حقوق النشر والملكية الفكرية لصالح حكاوي القاهرة مع أمجد.
__________________________________________
المراجع
بريستيد ،جيمس هنري - فجر الضمير - دار المعارف مصر.
وهيب كمال - هيرودوت في مصر - دار المعارف مصر.
وهيب كمال ديودور الصقلي - دار المعارف مصر.
وهيب كمال بلوتارخ في مصر - دار المعارف مصر.
الكندي ،محمد بن يوسف - ولاة مصر وقضاتها - دار صاد بيروت.
ابن عبد الحكم ،عبد الرحمن بن عبد الله - فتوح مصر وأخبارها - تحقيق محمد صبيح.
البلوي - عبد الله بن محمد - سيرة احمد بن طولون - مكتبة الثقافة الدينية مصر.
ابن المقفع ،ساويرس - تاريخ البطاركة - تحقيق عبد العزيز جمال الدين - الهيئة العامة لقصور الثقافة مصر.
المقريزي ،تقي الدين احمد - اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء - الهيئة العامة للشؤون الإسلامية الأزهر القاهرة.
القلقشندي،ابي العباس أحمد - صبح الاعشى في صناعة الانشا - دار الكتب المصرية
ابن تغري بردي ، جمال الدين ابو المحاسن يوسف - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - دار المعارف مصر.
ابن اياس ،محمد بن احمد - بدائع الزهور في وقائع الدهور- الهيئة العامة للكتاب مصر.
Lane- Poole, Stanley - Egypt in middle ages - London 1901.
Sutenios - Historia Augusta- to English by David magil - Harvard university press.
* علي غير عادتنا في ذكر المصدر لم تقم بذكر الأجزاء والصفحات في هذا الموضوع لكثرتها ولأنها عبارة عن جمل متفرقة في فقرات كثيرة.
الصورة المرفقة لجدول الشهور في التقويم المصري القبطي مع نطق اللفظ القبطي بالحروف اللاتينية ومقابلته مع التقويم الميلادي الجديد ( الجريجوري).