15/12/2024
تراث الفنون الصخرية: ذاكرة حضارية تائهة في جهة العيون الساقية الحمراء
🟦 بقلم : سعيد لكبوري ، مرشد المدن والمدارات السياحية(وزارة السياحة) ، حاصل على شهادة الكفاءة المهنية في الإرشاد والتواصل السياحي: الديني، الحضاري والثقافي (جامعة القاضي عياض)
بصفتي مرشداً سياحياً في جهة العيون الساقية الحمراء، أدرك تماماً القيمة التاريخية والثقافية لمواقع الفنون الصخرية المنتشرة في هذه المنطقة. هذه النقوش ليست مجرد رسوم على الصخور، بل هي شواهد حية تحكي قصصاً عمرها آلاف السنين، توثق تاريخ الأجداد، أساطيرهم، وحياتهم اليومية. ومع ذلك، فإن الإهمال الذي يطارد هذا التراث الفريد يعكس إشكالية كبرى لا تؤثر فقط على هويتنا الثقافية، بل تمتد أيضاً إلى السياحة الثقافية التي تمثل مصدر رزق مهماً للعديد من المرشدين المحليين.
مواقع النقوش الصخرية: كنوز كامنة في الصحراء
تشهد مناطق العيون، السمارة، ووادي الذهب على غنى تراث النقوش الصخرية التي تتميز برسوم الحيوانات، المحاربين، ورموز تعكس الفكر الروحي والاقتصادي لسكان العصور القديمة. كمثال، نجد مواقع مثل العصلي ،الغشيوات ،واد اشبيكة وكليب الزعافيك التي تزخر بنقوش تحكي عن الصيد والمعتقدات الدينية.
كمهتم بهذا التراث ومرشد سياحي، أعمل على تعريف الزوار بهذه المواقع، ليس فقط كوجهات سياحية بل كتجارب ثقافية تتيح لهم الغوص في تاريخ المغرب العريق. ومع ذلك، فإن افتقار هذه المواقع إلى الحماية والصيانة يعوق تطور هذا النوع من السياحة، ويعرضها لخطر الزوال.
التحديات التي تواجه السياحة الثقافية
الإهمال القانوني:
إن غياب أي إشارة لمواقع النقوش الصخرية في مشروع القانون 33.22 يشكل تهديداً كبيراً لهذه المواقع. فكيف يمكنني كمرشد سياحي أن أروج لهذه المواقع في ظل عدم وجود تشريعات واضحة تضمن حمايتها؟ هذا الإغفال يجعلها عرضة للتدمير، خاصة في ظل الأنشطة التعدينية والمقالع.
غياب البنية التحتية:
العديد من هذه المواقع يصعب الوصول إليها بسبب عدم وجود مسارات واضحة أو مرافق سياحية مرافقة. هذا النقص يؤثر على تجربة الزوار ويحد من قدرتنا كمرشدين على جذب مزيد من السياح.
ضعف الترويج والبحث العلمي:
في الوقت الذي تزدهر فيه السياحة الثقافية في دول مثل مصر وإيطاليا، يعاني تراثنا الصخري من نقص كبير في الترويج والبحث العلمي. المبادرات الفردية، سواء من المجتمع المدني أو المرشدين، لا تكفي لتغطية الفراغ الذي تركته المؤسسات المختصة.
دور المرشد السياحي في حماية التراث
كممثل مباشر للسياحة الثقافية، أرى أن المرشدين السياحيين يمكن أن يكونوا خط الدفاع الأول عن هذا التراث. نعمل على توثيق المواقع وإرشاد الزوار حول أهمية احترامها. ولكن دورنا لن يكون فعالاً بدون دعم قانوني ومؤسسي يعزز هذه الجهود.
التوعية المجتمعية:
أحرص دائماً على تضمين جانب توعوي في جولاتي السياحية، أشرح فيه للزوار والسكان المحليين قيمة النقوش الصخرية كجزء من هويتنا الوطنية، وأهمية الحفاظ عليها للأجيال القادمة.
الترويج للسياحة المستدامة:
أحاول توجيه الزوار نحو أساليب سياحية مستدامة تحترم البيئة والثقافة المحلية، مع الحرص على عدم التأثير سلباً على المواقع الأثرية.
حلول مبتكرة للنهوض بتراث النقوش الصخرية
إدماج النقوش الصخرية في النصوص القانونية:
لا يمكن حماية هذه المواقع دون اعتراف قانوني صريح بها. يجب تضمينها في مشروع القانون كجزء لا يتجزأ من التراث الثقافي غير المنقول.
تطوير مسارات سياحية ذكية:
يمكن استغلال التكنولوجيا لتصميم تطبيقات مخصصة تقدم معلومات تفصيلية عن مواقع النقوش الصخرية، مع توجيه الزوار إلى الطرق الآمنة للوصول إليها.
تعزيز الشراكات المحلية والدولية:
يمكن إنشاء شراكات بين المرشدين السياحيين، الباحثين، والهيئات الدولية المهتمة بالتراث، لتمويل مشاريع التوثيق والترميم.
إشراك المجتمع المحلي:
السكان المحليون هم الحراس الفعليون لهذه المواقع. يجب تمكينهم من خلال برامج توعوية وفرص اقتصادية تجعلهم شركاء في حماية التراث.
ختاماً: تراثنا هويتنا
إن مواقع النقوش الصخرية ليست مجرد وجهات سياحية؛ إنها سجل زاخر يحكي عن أصالة المغرب وثرائه الثقافي. كمرشد سياحي في جهة العيون الساقية الحمراء، أعتبر هذا التراث جزءاً من رسالتي المهنية، وأدعو الجميع - من مؤسسات حكومية وجمعيات وأفراد - إلى تحمل مسؤوليتهم في حماية هذا الإرث الفريد. الحفاظ على تراثنا ليس ترفاً، بل ضرورة لضمان استمرار هويتنا الثقافية وحيوية صناعة السياحة في المغرب.