وَهَبْنِي قُلْتُ هَذَا الصُّبْحُ لَيْلٌ
أَيَعْمَى الْعَالِمُونَ عَنِ الضِّيَاءِ
ينطلق أبو الطيب في هذه القصيدة من نظرته لذاته، ومنها يؤسس علاقاته بممدوحيه على أساس من الندية، وهي قاعدة يمكن وصفها بالشرط التعاقدي، إذا قبل به الطرف الآخر يحصل مقابله ليس على المديح فحسب، وإنما على صديق بمزايا شخصية قوامها الصدق والوضوح والاستعداد لفداء الصديق والذود عنه بالنفس.
في هذه القصيدة من #طيبات_أبي_الطيب تتجلى هذه الفكرة، وتتضح في ثناياها كذلك طبيعة علاقات أبي الطيب الاجتماعية بين صداقات فريدة، وخصومات شديدة، وحساد يكيدون له، وبين اعتزاز بالغ بذاته الإبداعية والإنسانية، كما تتضح بعض ملامح رؤيته ومعالجاته لهذه القضايا، بين ما يمكنه قبوله وما لا يمكن أن يقبل به، معلناً بوضوح وحسم رفضه أن يساوَى بينه وبين خصومه؛ لأن الفارق بينه وبينهم أوضح من إغفاله، في المعرفة والمقدرة والشخصية، والمساواة بينه وبين هؤلاء ضرب من الخطأ لا يجوز أن يقع فيه صاحب منطق منضبط كممدوحه الذي يخاطبه.
وإذا صحَّ أن أبا الطيب كان في العشرين كما يتضح من الأبيات؛ فإننا أمام بدايات تشكل تلك الشخصية الممتلئة بالشعور بذاتها، المعتدة بمكوناتها، الحريصة على توكيد حضورها وإثبات ألمعيتها.
"إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ"
.
صابر خالق الفرجة بكوديفوار..