25/07/2022
صورة نادرة ل مقبرة حرخوف عام 1892م
الرحالة حرخوف
تم اكتشاف مقبرة الرحالة الفرعوني حرخوف عام 1892م، بقبة الهوا بأسوان، حيث قدمت المقبرة منذ اكتشافها بمدة 130 سنة، الكثير من الأسرار عن السيرة الذاتية لأحد الرحالة الأوائل فى التاريخ المصري القديم، حيث وصلت رحلات حرخوف إلى قلب إفريقيا ليدون عالم النيل القديم، بل قدمت مقبرة حرخوف معالم عن إنسانيته وأخلاقه العالية فى تعاملات اليومية ،ذلك الرجل الذي لم يمنع جاره من استقلال قارب لعبور النهر، ولم يهن جائعا أو فقيرا، والذي أقسم قبل موته بأنه مثل المصريين لم يلوث النهر.
مغامرة الرحالة حرخوف".. المصري الذى اكتشف عوالم إفريقيا المجهولة عبر نهر النيل نجح "الرحالة حرخوف" من الأسرة السادسة، أن يحفر اسمه في التاريخ الإنساني، حيث كان من أوائل المصريين الذين اكتشفوا عوالم إفريقيا المجهولة، وكان عنده معرفة كبيرة بنهر النيل، بالإضافة إلى أنه كان يسير وفق طريقة علمية في الرحلات الجغرافية. حرخوف، ربما يكون أول طفل مصري يقوم برحلة مع والده نحو إفريقيا، ثم قام بعدها بعدة رحلات في شبابه نحو إفريقيا، منها رحلة للصحراء الغربية، وقد دفن في بأسوان بصعيد مصر، حيث اهتم اهتماما خاصا بالنوبة، وانطلق من خلالها نحو إفريقيا ، وربما يكون قد وصل إلى أواسط أفريقيا، حيث يؤكد المؤرخون أن "حرخوف" امتاز بطريقة علمية في الرحلات، حيث كان لا يعود من ذات الطريق الذي سلكه في الذهاب، فالمغامرة السهلة لم تكن تشوقه، لذلك كان يسلك طرقا عدة، رغم مشقة الطرق ووعرتها واختلاف القبائل، وكثرة الحيوانات المفترسة بها.
من هو حرخوف.. ومتي عاش.. وكيف قام برحلاته؟ إن حرخوف من رجال الدولة البارزين فى عصر الأسرة السادسة، شارك فى تحقيق السياسة التى رسمها ملوك هذه الأسرة فى التوسع والعمل على اكتشاف البلاد الواقعة إلى الجنوب من مصر، وإقامة علاقات وطيدة معها، وقد عمل فى ظل حكم مرن رع الذى استمر من سنة 2247 إلى سنة 2241 قبل الميلاد، وأخيه غير الشقيق بيبى الثانى الذى استمر فى الحكم حتى سنة 2148 قبل الميلاد، وفى عصر هذه الأسرة امتدت عمليات التوغل المصرى حتى دنقلة، ومن خلالها استطاعت مصر الاتصال بأعماق إفريقيا، وكان حرخوف أحد أبرز المستكشفين المصريين فى ذلك العصر، وقد سجل رحلاته على جدران مقبرته التى دفن بها فى أسوان.
قال حرخوف فى وصف رحلته الأولى"أرسلنى جلالة مرن رع سيدى، كما أرسل والدى السمير الوحيد والمرتل إزى إلى بلاد إيام، لأكشف الطريق الذى يؤدى إلى البلاد الأجنبية، وقد قمت بهذا العمل فى 6 أشهر فقط، وقد عدت بكل أنواع الهدايا من هذه البلاد، وقد أثنى على كثير من أجل ذلك أن رواية حرخوف تؤكد أن رحلته الأولى لم تكن بداية للكشوف الجغرافية المصرية فى القارة الأفريقية بل هى استكمال لرحلات سابقة منها ما قام به والد حرخوف نفسه فى عصر الملك مرن رع. ، حيث كان عصر هذا الملك من أزهى العصور فى مجال الكشوف الجغرافية فى زمن الدولة القديمة، ولم تقتصر جهوده على إرسال البعثات الكشفية والحملات العسكرية بل قام كذلك بتوفير السبل لمثل هذه البعثات والحملات. تذكر لنا النقوش الأثرية التى ترجع إلى عصر مرن رع أنه أمر بحفر خمس قنوات عند الشلال الأول لتسهيل سير السفن وتأمينها فى مواجهة الصخور التى كانت تتسبب في تعثر الرحلات الكشفية النهرية جنوب أسوان، وهكذا لم تقف الطبيعة فى وجه طموحات الإنسان المصرى القديم، فقد تمكن بعبقريته من قهرها والسيطرة عليها، فانتصر أبناء مصر فى الألف الثالث قبل الميلاد على الطبيعة، وتمكنوا من العبور إلى القارة عبر نهر النيل، مثلما انتصر أسلافهم قبل ذلك بعدة آلاف من السنين على الطبيعة أيضا، عندما روضوا النهر الجامح ليضعوا أسس حضارتهم الأولى.
سبق الرحالة حرخوف الكثير من المغامرين المصرين الذي قاموا برحلات نحو إفريقيا مثل مخو، والرحالة سابني، وقد كانوا يعودون بالبخور والعطور وسن الريش وريش النعام، وبعد عصر حرخوف اتجهت الرحلة التي جهزتها الملكة حبتشوت نحو إفريقيا والمسجلة علي جدران معبدها بالدير البحري، إلا إن حرخوف الذي تولي منصب القائد العسكري للجنوب ومدير كل البلاد الأجنبية في الجنوب كان شغوفا جدا بنهر النيل والروابط التي تربط المصريين بالنهر وإفريقيا مثل معظم المصريين، ورغم أنه توغل في إفريقيا كثيرا إلا إنه كان حين يعود لمصر يطلب من المسؤلين العودة ثانية من خلال النهر نحو إفريقيا، فيسلك الطريق نحو إلفنتين بأسوان ويتوغل جنوبا وكان في الطريق يسجل كل مشاهداته، وكان يقضي في الجنوب نحو 8 أشهر في كل رحلة وقد كان الناس في مصر القديمة يصغون لكلامه، وهو يتحدث عن مغامراته.
أن رحلات حرخوف الأفريقية قد تعددت وقد وطد خلالها النفوذ المصرى فى البلاد الجنوبية، وكشف للمصريين عبرها عن عوالم جديدة كانت مجهولة بالنسبة لهم، وقد كانت رحلات حرخوف مثل رحلات كثيرة من غيره من الرحالة مصحوبة أحيانا بحملات عسكرية، ويروى لنا الرحالة حرخوف على جدران مقبرته قصة رحلته الثالثة والأخيرة فى زمن الملك مرن رع.
أن حرخوف عاد في رحلته بنحو 300 حمار محملة بالبخور والأبنوس والزيت وجلود الفهود والعاج وكل المنتجات الطبية، مؤكداً أن رؤساء القبائل في إفريقيا أحضروا له هدايا من الثيران والحيوانات الصغيرة، و"قادونى نحو طرق جبال إرثت، وقد كانت عينى ساهرة بفطنة أكثر من كل سمير ومدير قوافل من الذين أرسلوا إلى إيام قبلى، ومن ثم عاد فى النهر الخادم حرخوف نحو البلاد".
ولم تنقطع رحلات حرخوف إلى الجنوب بعد وفاة الملك مرن رع، فقد اتبعت الدولة فى عصر سلفه الطفل الصغير بيبى الثانى نفس السياسة تجاه المناطق الجنوبية، فاستمرت رحلات حرخوف ومن بعده مغامرون آخرون من رجال الملك بيبى، وصلتنا قصصهم فى نقوش متعددة تسجل صفحات مضيئة من قصة الحضارة المصرية العظيمة، وارتباطها الوثيق بنهر النيل وبقارتها الإفريقية.