01/09/2022
🇪🇬😍
"سرابيط الخادم".. تلك المنطقة التي تقع بها أقدم مستعمرات معدن الفيروز، سُميت بذلك الاسم لوجود عدد كبير من الكتل الصخرية بها، والتي أُطلق على كل منها أسم "سربوط" أي الصخر القائم، في حين ارتبط بها اسم الخادم، وهي التماثيل المنتشرة داخل المعبد، والتى كانت تمثل الخدم بالنسبة لسكان جنوب سيناء، لذلك عُرف الموقع والمعبد باسم "سرابيط الخادم" وهذا رأي بشكل اجتهادي فيما يخص التسمية.
تأتي أهمية سرابيط الخادم فيما خلدته من نقوش وكتابات الصخرية في المناجم والاثار المخصصة للإلهة حتحور في المعبد عن حملات التعدين التي قام بها ملوك الدولة الوسطى، وعلى الرغم من أن اسم أمنمحات الأول، أول ملوك الأسرة الثانية عشرة، هو أقدم اسم تم العثور عليه في سرابيط الخادم، إلا أن العديد من التماثيل والأثار كانت ترتبط باسماء العديد من الملوك، علي رأسهم الملك سنفرو من الأسرة الرابعة، والملك منتوحتب الثالث ومنتوحتب الرابع من ملوك الأسرة الحادية عشر، بالإضافة إلأي نقش للملك سنوسرت الأول، ما يعني أن سرابيط الخادم شهدت انشطة مختلفة لاستخراج المعادن منذ الدولة القديمة.
تحتوي سرابيط الخادم علي 387 نقشاً ينتمون للدولتين الوسطى والحديثة، بينهم حوالي ثمانية نقوش من عصر الدولة الوسطى، بالإضافة إلي 150 نقشًا تؤكد العديد من الحملات التعدينية خلال عصر المملكة الحديثة، خاصة بين عهدي الملكين أمنحتب الأول ورمسيس السادس، وقد أثبت المؤرخين أن تلك الأنشطة التعدينية لم تكن تخص منطقة سرابيط الخادم فقط، ولكنها تخص كل ما يُحيط بجبال وكهوف سرابيط الخادم أيضًا، بما في ذلك بئر نصب وغيره من الاماكن المحيطة، كما أن النقوش لم تهتم بسرد تفاصيل تلك الحملات التعدينية ولكنها ايضًا رصدت المستوطنات التي كان يعيش داخلها العاملين في تلك المناجم، بالإضافة إلي مناطق معالجة المعادن ومناطق العبادة الصغيرة.
كما تحتوي سرابيط الخادم علي أكثر من ثلاثون نقشًا محفورًا في "الأبجدية السينائية"، وهو ما يُلقي الضوء علي تاريخ الأبجدية، ، والتي تم الكشف عنها في عام 1905، وتعود لعهد كل من تحتمس الثالث وحتشبسوت، ويطلق عليها البعض الأبجدية الكنعانية، لتأثرها ببعض الكتابات السامية على اعتبار أن سيناء كانت نقطة التقاء للقادمين من آسيا، وإن كان البعض يعتقد ان السبب في ذلك أن غالبية عمال المناجم كانوا أسري الحروب المصرية مع شعوب جنوب غرب آسيا، والذين كانوا يتحدثون اللغة السامية الشمالية الغربية، مثل الكنعانية التي كانت أسلافًا للفينيقيين والعبرية، وهو ما حاول عالم المصريات واللغويات البريطاني "ألان جاردنر" اثباته عام 1915، حينما قام بفك رموز ما يعرف بنظام الكتابة السينائية البدائية، وقد نشر الكاهن الأمريكي رومانوس فرانسوا بوتين من الجامعة الكاثوليكية الأمريكية العديد من المقالات حول تلك النقطة في مجلة هارفارد اللاهوتية، وذلك استنادًا إلى بعثة هارفارد إلى سيرابيط الخادم عام 1927، بالإضافة إلي البعثة المشتركة لجامعة هارفارد الكاثوليكية عام 1930.
أما عن معبد حتحور سيدة الأعالي/سيدة الفيروز، فيقع على قمة جبل السرابيط، أي على إرتفاع حوالي 850 مترا من سطح الأرض، أي أنه يرتفع عن سطح البحر بأكثر من 1100 متر تقريبًا، ويقع في منطقة مستوية تشبه إلي حد كبير الهضاب، وتقع على بعد 2000 متر تقريبًا إلى الجنوب من مدينة أبو زنيمة، وتحديدًا في منطقة تُسمي الرملة، حيث توجد قرية السرابيط في جنوب سيناء، ويبلغ طول المعبد حوالي 80 مترًا، وعرضة حوالي 40 مترًا، يجاوره الكثير من مغارات الفيروز الملئية بالنقوش الاثرية القديمة، بالإضافة إلي بعض أدوات العمال.
يُعد معبد حتحور أحد المعابد الفريدة والمتميزة فى مصر القديمة، بل ومن أضخم الآثار الثابتة التي خلفها المصريون القدماء المنحوته في الحجر. بدء تشييده مطلع عصر الدولة الوسطى، وتحديدًا خلال فترة حكم الأسرة الثانية عشر، وقد تغيير شكل المعبد خلال الأسرات الحاكمة اللاحقة، فطيلة ما يقرب من 800 عام عكف الملوك والملكات علي إضافة بصماتهم علي أركان المعبد، وذلك حتي عهد الملك رمسيس السادس أحد ملوك الأسرة العشرون.
عقب اكتشاف سرابيط الخادم، ومنذ منتصف القرن الثامن عشر، كانت سرابيط الخادم ومعبد حتحور محط أنظار الرحالة والمستكشفين وعلماء الآثار، وكانت أول زيارة حقيقية تلك التي اكتشف فيها المستكشف وعالم الخرائط الألماني "كارستن نيبور" موقع سرابيط الخادم، وذلك في عام 1762، ويومها اعتقد خطأ أن كهف حتحور مجرد مقبرة لأحد الأفراد، وبعد ما يقرب من ثمانية عقود، وتحديدا خلال عام 1845 قام عالم المصريات الألماني "كارل ريتشارد ليبسيوس" بزيارة الموقع ليعيد استكشافه من جديد، ليزور الموقع في عام 1846 العديد من الاوروبيين علي رأسهم "Macdonald. C." الذي قام بحفائر غير منشورة، وقام باهداء العديد من أثاره إلي المتحف المصري، وفي عام 1868 قامت بعثة إنجليزية بأول عملية مسح وتصوير للمنطقة، وفي عام 1904 نشر عالم المصريات الفرنسي "ريموند وايل" العديد من لوحات المعبد، وفي نفس العام أرسل "صندوق استكشاف مصر" بعثة بإشراف "فلندرز بيتري" وتم نشر أعمالها في عام 1906، وبعد عقدين، وتحديدًا في عام 1928 أرسلت جامعة هارفارد بعثة أخري لدراسة الموقع.
وخلال الفترة بين عامي 1947 و1948 قام عالم الأثار الأمريكي "وليام فوكسويل أولبرايت" بحفر خمسة محاجر ومنجم اثناء المسح الأثري لسيناء، وفي عام 1952 قام كل من عالمي المصريات البريطانيين "سير ألان جاردنر"، و"توماس إريك بيت"، بنشر النقوش الموجودة في منطقة سرابيط الخادم والمناجم المحيطة بها وإعطائها أرقام تسلسلية أصبحت منذ ذلك الوقت المرجع الأساسي للباحثين، قبل أن يترجمها عالم المصريات التشيكوسلوفاكي "ياروسلاف تشرني" في عام 1955، وخلال سنوات الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، من 1967 حتي 1982 ، قاموا بعمل حفائر في منطقة سرابيط الخادم، وحتي اليوم لم يتم نشر ما قاموا به من حفائر، وبعد استعادة سيناء، قام العالم المصري "علاء شاهين" باعداد رسالة ماجستير تناول فيها جانب من تاريخ معبد سرابيط الخادم خلال الدولة الوسطي، وأخيرًا خلال عامي 1992 و1993 قامت بعثة من جامعة ليل الفرنسية بعمل مسح للمنطقة وترميم بعض المواقع تحت اشراف عالمي المصريات الفرنسيين "دومينيك فالبيل" و"تشارلز بونيه".
أما منازل القائمين علي عمليات التعدين والبناء والعاملين في منطقة سرابيط الخادم، فقد تم الكشف عن مجموعة من مساكنهم تشبه الأكواخ بُنيت من الحجر الرملي المحلي بطريقة بدائية، أغلبها مُتهدم ولكن يبدو من أطلالها أنها كانت دائرية الشكل، يتراوح قطرها ما بين 150 سنتيمتر إلي 2 متر مكعب، كما لوحظ بعض المنازل الأخر داخل أسوار المعبد كانت تُستخدم لإيواء من يسهر الليل بالقرب من المعبودة حتحور أملًا في الحصول علي حلم ينبئهم بمكان الفيروز في باطن الارض، وقد بُنيت أكواخ العاملين بالقرب من وادي "الخصيف" ليوفر له الحماية الطبيعية من جهة الجنوب، وحتي اليوم يصعب تحديد تاريخ محدد لبنائها.