Academic University for Non-Violence & Human Rights - AUNOHR

19/07/2024

توقيع اتفاقية تعاون بين AUNOHR و BORDEAUX MONTAIGNE

"سعيد وفخور أنّ هذا الاتفاق سوف يسمح لجامعتنا أن تستفيد من خبرات AUNOHR الريادية".
"إلى أسرة AUNOHR أقول: مبروك هذه الإضافة النوعيّة".

لقاء online في 18 تموز/يوليو 2024، جرى فيه توقيع اتفاقية تعاون بين جامعة BORDEAUX MONTAIGNE - فرنسا و AUNOHR - لبنان، وذلك في جوّ فكري وإنساني عكسَ عمق هذه الاتفاقية والإرادة الإيجابية لزرع ثقافة اللاعنف في الاختصاصات الجامعية بمستوىً عالمي.

افتتحت اللقاء المنسّقة هلا بو علي بكلمة ترحيب وتقدير لفكرة هذه الاتفاقية وأهميتها، وعرّفت بممثّلي AUNOHR الحاضرين في اللقاء. كذلك فعلت من جهّتها المنسقة في مكتب العلاقات الدولية في جامعة بوردو، جوهانّه أرتيكو Johanna ARTICO.

الكلمة الأولى للبروفسور باسكال توزي Pascal TOZZI، المبادر لهذه الاتفاقية مع د. أوغاريت يونان، وذلك بنتيجة شراكة في " كرسي اليونيسكو للعمل الاجتماعي واللاعنف" الذي أطلقه د. توزي ويديره منذ العام 2021. وقد أعلن أنّ الاتفاقية هي أولى النتائج المؤسّساتية لكرسي اليونيسكو هذه، وأنّه يسرّه جدًا ويشرّفه أن تكون أول اتفاقية أكاديميّة تبرمها AUNOHR في أوروبا هي مع جامعة بوردو مونتين BORDEAUX MONTAIGNE.

بعدها، كلمة رئيس جامعة بوردو مونتين BORDEAUX MONTAIGNE، البروفسور ألكسندر بيرو Alexandre PERAUD. مقتطفات منها: " أنا سعيد بشكل خاص وفخور أنّها أول اتفاقية على المستوى العالمي أوقّعها بعد أن تولّيت رئاسة الجامعة في الشهر الماضي... وسعيدٌ أنّها مع لبنان، هذا البلد الذي عرفته وأحببت تراثه الأدبي وشعبه وحيويّة الشباب فيه... أحترم ويشرّفني أن نتعاون مع هذا العمل الرائد الذي قام به وليد صلَيبي وأوغاريت يونان ليس فقط في بلدهما بل أبعد من تلك الحدود... أتطلّع إلى بناء دبلوم مشترك أول من نوعه في جامعتنا، التي تحمل اسم وإرث الفيلسوف الإنساني ميشال دي مونتين Michel De Montaigne... إنّ الواقع الذي نعيشه في العالم اليوم، بالأخص في منطقتكم وفي أوروبا وفي فرنسا بالذات، يتطلّب منّا أن نبقى متيقّظين وفاعلين...".

ثمّ كلمة مؤسِّسة AUNOHR، د. أوغاريت يونان، التي شكرت الجميع فردًا فردًا. مقتطفات منها: "البند الأول في الاتفاقية ينصّ على "الهدف المشترك"، وهدفنا هو الإنسانية. الاحتراف الأكاديمي المرتكز على الإنسانية، هذا ما تعنيه لنا الجامعة... الفيلسوف الفرنسي مونتين الذي تحمل جامعتكم اسمه، أتذكّره معكم اليوم في هذا القول له: "ما من فكرة تستحقّ أن نقتل إنسانًا"... لحسن الحظّ أنّ غاندي ابتكر كلمة لاعنف، التي أعتبرها كلمة ذكيّة جدًا. نحن في مطلع القرن الثاني لهذا المصطلح، ولحسن الحظّ أنّ اللاعنف دخل في الحقل الأكاديمي، لسائر الاختصاصات، وباتت له جامعة أولى في العالم هي AUNOHR، ونحن نضع خبراتنا الفكرية والتطبيقية في خدمة اتفاقية التعاون هذه... ترتكز اتفاقيتنا على مبدأين: الإبداع والتبادل. تبادل الأساتذة والأبحاث والمعلومات، واستقبال متبادل للطلاب، ومؤتمرات ولقاءات أكاديمية، وتتويجًا إبداعُ دبلوم مشترك أول من نوعه في جامعة بوردو... عزيزي باسكال توزي المنتمي للفكر اللاعنفي ومؤلِّف كتابين عن اللاعنف، شكرًا على هذا الإنجاز؛ إنّه تتمّة للصداقة والتعاون بيننا... كلّي ثقة أنّ طلاب جامعتكم سيكونون مسرورين بالدبلوم الجديد، وقد اختبرتُ بداية ذلك شخصيًا العام الماضي حين درّستُ طالبات وطلاب آخر سنة في اختصاص العمل الاجتماعي، عن اللاعنف بالطبع، وهنَ/هم يعرفون قليلًا أو لا يعرفون شيئًا عنه، وفي ختام اليوم لم يكن أحدًا يريد أن نتوقّف... أمّا أعضاء AUNOHR وأسرتها، فأقول لكم مبروك. وعدتُ أن أستمرّ في إغناء جامعتنا بمبادرات فيها عمق واستدامة، وهذه الاتفاقية هي إضافة نوعيّة لنا، وأيضًا استمراريّة لذكرى مؤسِّس الجامعة وليد صلَيبي الذي واكب بداية هذا التعاون...".

بعد ذلك، تمّ التوقيع الرسمي.
ثمّ كلمات عفويّة، من جانب AUNOHR: د. إلهام كلّاب، السيد عماد فواز؛ ومن جانبBORDEAUX MONTAIGNE: نائبة رئيسة العلاقات الدولية السيدة آن-لور ميتزغر Anne-Laure METZGER.

تصفيقٌ، وتهنئة رافقتها رائحة العِطرة التي زيّنت الطاولة، وانطلاقٌ للمباشرة بالعمل...

14/05/2024

من لقاء 1 أيار في الذكرى السنوية الأولى لرحيل مؤسّس الجامعة المفكّر وليد صليبي، عزف على كلارينت من طارق بشاشة بمرافقة يارا روحانا على الغيتار.

10/05/2024

في مثل هذه اللحظات في 3 أيار 2023، الساعة 4.45، رحل وليد صلَيبي، مؤسِّس الجامعة والمفكِّر العربي اللاعنفي.

إنّها الذكرى السنويّة الأولى...

بدعوة خاصّة من أوغاريت يونان، رفيقة العمر لأربعين سنة، اجتمعنا في 1 أيار الأسبوع الماضي في لقاء مودّة تحيّة له، مجموعة من مجلس الجامعة والأساتذة والطالبات والطلاب والصديقات والأصدقاء والعائلة...

اختارت د. يونان اليوم، ليس في 3 أيار بل في الأول منه كونه عيد العمّال، ووليد صلَيبي عاش تجربة نضاليّة استثنائيّة لسنوات من أجل حقوق العمال، واختارت المكان في بلدة الشوير على بُعد أمتار من المبنى الأول للجامعة، بضيافة صاحب مطعم كان أحد أبرز الكوادر العماليّة الذي ناضل مع وليد وتأثّر به وقد تحوّلت مسيرة حياته منذ تلك الفترة في منتصف الثمانينيّات وقد ألقى كلمة في اللقاء...

افتتحت اللقاء هلا بو علي، بكلمة من القلب، « تحيّة حبّ وصداقة تشبه العلاقة التي جمعتنا معه... سنتذكّره دائمًا بفرحه وفكاهته وابتسامته التي رافقته حتّى في أكثر أوقات وجعه... بشغفه وحبّه للحياة... بإيمانه بالإنسان وقوة اللاعنف... وكمناضل غير مساوم على قيم الحرّية والعدالة... وسأقول له ما كتبه فكتور هوغو "عشتَ وفي قلبك زهرة لم يستطع أحد أن يقطفها"...».

عزفٌ على الكلارينيت مع طارق بشاشة، يرافقه غيتار يارا روحانا، وعزفٌ على العود مع مازن أبو حمدان... ثلاثة شباب يعزفون بشكل حرّ، أتوا بكلّ محبّة يضيفون شجى الموسيقى إلى هذا اللقاء لذكرى مَن باتَ المثال في حياتهم...

والبداية مع صور تذكاريّة لوليد صلَيبي، بعضها يُنشَر لأوّل مرّة، من أجواء فرح وصداقة وفي العائلة ومع طلاب وأهل الجامعة وفي ميدان النضال، من مختلف مراحل حياته...

ثمّ فيديو من إعداد رائد زينو، تحيّة إلى أستاذه، ليكون معنا في اللقاء بالصوت والصورة...

وكلمات عفويّة، من الدكتور سهيل مطر "وليد وأوغاريت هذا الثنائي كالأخوين الرحباني، لا نعلم أيّهما كتب، خطّط، ابتكر..."، من الوزير زياد بارود "وليد صلَيبي المناضل بسلام"، من الشاعر الدكتور أنطوان أبو زيد "ليتنا عرفناه قبل العام 1982 يوم اصطحبنا معه بسيارته..."، وفقرة من برنامج الفنّانين جان أبي غانم وآمال طنب عن يوم العمّال وعن صديقهما وليد، وقصيدة من الأخ عماد يونان بالفرنسيّة...
أربع أغنيات تمّ اختيارها ممّا أحبّ الراحل، رافقت اللقاء، وعُرِضت على الشاشة مع ترجمة الأجنبيّة منها إلى العربية: أغنية L’amour viendra "الحبّ يأتي"، التي غنّتها أكثر من فنّانة عالميّة، كانت آخر ما سمعه وليد صلَيبي قبل ساعتين من رحيله حين زارته الصديقة المغنّية اللبنانيّة العالميّة ليديا كنعان في غرفة العناية الفائقة في المستشفى وانحنت تغنّيها له في أذنه وهي تعرف أنّه كان يحبّها. أغنية con te partirò "الوداع. سأمضي معك"، لمغنّي الأوبرا العالمي Andrea Bocelli، التي بات يستأنس لها في السنوات الأخيرة. أغنية Les copains d’abord "الرفاق أولًا"، للفنّان والشاعر الثائر Georges Brassens، وكان صلَيبي يعزف أغانيه على البيانو ويعتبره صديق حياته الأكثر حرّية وإنسانيّة. وفي فقرة خاصّة تحيّة لفلسطين، التي التزم صلَيبي قضيّتها وكتب لها عن المقاومة اللاعنفيّة، أغنية فيروز والأخوين الرحباني "القدس العتيقة".

أمّا كلمة أوغاريت يونان فكانت لذِكرى وداع له واحتفال به، كما قالت... [ننشرها لاحقًا]

ولمناسبة عيد العمّال، أخبرتنا عدّة قصص من التجارب والوسائل اللاعنفيّة من تاريخ تلك المرحلة في مسيرة د. وليد، وهي غير منشورة، اكتشفها معظم الحضور وصفّقوا لفرادة وسائلها وإنجازاتها المحفِّزة للأمل لاسيّما وأنّها حصلت في ظلّ الحرب في لبنان؛ وقد دعت إحدى الطالبات بعد اللقاء، تأثّرًا بما سمعت، إلى ضرورة كتابة هذه التحرّكات وتدريسها في مادة "استراتيجيّات العمل اللاعنفي" في الجامعة...

23/02/2024

رحيل كميل منسّى

عضو مجلس الأمناء في AUNOHR

ودّعنا بالأمس الأستاذ العزيز كميل منسّى، عضو مجلس الأمناء، الذي واكب مسيرة الجامعة منذ بداية مشروعها. وقد رحل بعد صراع مع المرض، عن عمر 88 سنة.

نعزّي أسرة الجامعة، وعائلته ومحبّيه وطلابه وكلّ من تتلمذ على يديه، رائدًا إعلاميًّا، حاضنًا لذاكرة لبنان وأجوائه الثقافية والسياسية، وصانعًا للعديد من تجارب المؤسّسات الإعلامية في المرئي والمكتوب بالعربية والفرنسية.

ويؤسفنا أنّنا كنّا نستعدّ قبل أيام قليلة من رحيله، لأجراء مقابلة شاملة ومصوّرة معه، يحكي فيها عن تجربته مع الجامعة وعن علاقته بمؤسِّسيها وعن رحيل وليد صلَيبي الذي جمعته به علاقة مودّة وروح المرح والحسّ الثقافي الإنساني المرهف لاسيّما بمصادره الفكرية والفنية الفرنسية.

وداعًا.

07/02/2024

ندوة تكريمية للدكتور عبد الحسين شعبان، "زمن فلسطين والثقافة العربية"، مجلّة تحوّلات، بيروت، 6/2/2024.
كلمة د. أوغاريت يونان:
مؤسِّسة جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان AUNOHR

يسرّني أن أكون هنا في تكريمكَ.
شكرًا العزيز الأستاذ سركيس أبو زيد ومجلّة "تحوّلات"؛ لبّيتُ الدعوة من أجل د. شعبان ومن أجل فلسطين.

شعبان. فلسطين. الثقافة: ثلاثة عناوين في ندوة.

لكَ العزيز حسين شعبان،
الأنيق المحبّ للفرح المنصرف إلى أسلوبه في الحياة بنجوميّة وديناميّة وكرم وثقافة ومرونة... ليس سهلاً على مَن انخرط في إيديولوجيّات مُحكَمة، باكرًا، أن يعود ويخرج إلى ضوء المرونة والتجدّد. خلال معرفتي بك، رأيتُ هذا الصحافي، الكاتب، المحلّل، المنتشر شرقًا وغربًا، المثقف، الباحث والمنجذب إلى أكثر وأكثر، الراوي الحافِظ لذاكرة بإبهارٍ كأنّ في نصوصك رزنامة زمن ودفتر أسماء وعناوين وحكايات وسردٍ بكلّ الأحرف والأرقام، ومعها هذا الربط الشاغل بالك بين السياسة والتاريخ والسوسيولوجيا والدين والنضال من النجف إلى الماركسيّة إلى القوميّة إلى حقوق الإنسان والحرّيات إلى اللاعنف...
سأحرص، بصداقتي لك ومعك، أن تستقرّ هنا في اللاعنف في هذه الخاتمة الفكريّة الإنسانيّة السعيدة، وفيها تغربل أنت بأسلوبك، ممّا سبق في مسيرتك، من جذورٍ متجانسة لفكر الخير والعدالة.

التقينا بدايةً في مؤتمرات حقوق الإنسان العربيّة، وكنتَ رمزًا للآتي من العراق. ثمّ مرّت سنوات... وحين أسّسنا جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان، عام 2009، أول جامعة من نوعها في المنطقة والعالم لاختصاصات أكاديميّة ودراسات عليا غير مسبوقة، اتصلتُ بكَ وقلتُ: هذا مكانك، وهذه إضافة في تلك المسيرة. وجئتَ أنتَ بكلّ اندفاعٍ وسرور، وغدوتَ من أسرة الجامعة. وعرّفتُك على وليد صلَيبي، المفكِّر المؤسِّس، وحلّ الانسجام الودّي بينكما من ’أول نظرة‘. أقول لكَ اليوم، أنّني حينها تأثرتُ جدًا بهذا الفرح بينكما. وليد، يقول عنه أصدقاؤه، إنّه كطفل لا يتفاعل إلاّ متى أحسّ بشيء حقيقي يلامسه من الداخل، يعبّر بصدق عمّا يشعر به وحسب، وبذكاءٍ فائق لا يوهمه شيئًا من أوهام الدنيا أو البشر... فعلًا أحبَّك وأحبَّ شخصيّتك.
إصرارُكَ على الشباب والحبّ والتنوّع والسلام، يكفي لي كي أعرف من أنتَ، دون أن أقرأ كتبك. شخصيّتُك تسير أمامك. وحتّى بعد أن أقرأ، وحتّى لو كتبتَ أنتَ أمرًا آخر، لن أصدّقك. صفاتُك هذه التي تطلّ بها علينا هي أنت. خلّيك هيك...
الصديق حسين شعبان،
في الحياة، ليس هناك من أصدقاء، بل لحظات صداقة؛ لا سعادة شاملة، بل لحظات سعادة. لحظاتٌ لديها نعمةُ الوردة دون أشواك. نعمةُ الوردة، ربّما عنوان مقال جديد لك، ما رأيك؟
وليد كان يقول لي، "نحبّه كما هو". من جهّتي، أقول، لا نفكّر لا في الماضي ولا في المستقبل، بل نعطي الحاضر للصداقة. أنتَ صديق.

تقول في كتابك "مذكّرات صهيوني" في الصفحة 14-15: «...طريقة التفكير الصهيونية...من وسائل ماكيافيلّية يتمّ فيها تبرير الوسيلة بزعم الوصول إلى الغاية، علمًا أنّ الغاية هي من شرف الوسيلة، ولا غاية شريفة إنْ لم تكن الوسائل شريفة، وحسب المهاتما غاندي، فالوسيلة إلى الغاية هي مثل البَذْرَة إلى الشجرة، فهما مترابطتان عضويًا...».

من هذا الركن أذهب معك إلى فلسطين. مع محبّتي وتضامني مع أهل فلسطين في كلّ مكان، وفي غزة اليوم والضفة اليوم والقدس اليوم... لن أقول أكثر اليوم، فالندوة تكريميّة.
من البديهي أن تكون هذه قضيّتك، وأن تكتب لها وعنها. هذا بديهي. قضيّة فلسطين النبيلة لا تستحقّ إلاّ غايات ووسائل نبيلة، أي ما نسمّيه نحنُ مقاومة لاعنفيّة. إنّها "نعم للمقاومة لا للعنف"، عنوان كتاب وليد صلَيبي، الذي أطلق أسُسَه في منتصف التسعينات، ثمّ أصدر الكتاب كاملاً عام 2005 وأعيدت طباعته عام 2015، واعتُبِر في فلسطين هديّة استراتيجيّة لا مثيل لها، وكان أطلق أولى التدريبات على "انتفاضة الحجارة" منذ العام 1988 وهي في عزّها في فلسطين...
كتبُك عزيزي الدكتور شعبان التي صدرت مؤخرًا، وقد أهديتني إيّاها، وفي توقيعك كتبتَ "إلى جامعة اللاعنف هديّتي مع الاعتزاز بزمالة الفكر ورفقة العمل والإخلاص للّاعنف"، فيها كشفٌ لأسرار ومعلومات من مصادرها أعطيتَ لها الكثير من وقتك وجهدك وحسّك البحثي وتنوّع علاقاتك وأسفارك ومقابلاتك مع الشخصيّات الصانعة تلك الأحداث، ومن كلّ هذا استخلصتَ مواقف تدين عنف الخارج وتشير إلى هلاك الداخل، تميّز بين المقاومة لغاية نبيلة والعمل السلطوي المشوِّه لها، تضيف توضيحات (كتابك "عصبة مكافحة الصهيونيّة") عن الصهيونيّة وزيف تمثيلها اليهود في العالم، وعن الصهيونيّة والنازيّة في لحظةٍ مصلحيّة واحدة، تساعد على الوعي ونشر الوقائع، وتتيح الحُجج بوجه السياسات المهيمِنة والقرارات المضلِّلة...
أنت تناضل في ميدانك، ميدان البحث وكشف المعطيات، ببراعة.
فشكرًا على توثيق التاريخ للعدالة ولبناء تاريخٍ آخر.

أمّا عن الثقافة، العنوان الثالث في موضوع هذه الندوة، واختصارًا، فألتقي معك في عنوانٍ ورد في كتابك "الغرفة 46 سرديّات الإرهاب"، وسؤالك: "العنف والثقافة هل يلتقيان؟ الضفّتان هل تلتقيان؟" وجوابنا معًا، على ما أعتقد، أنّه بالطبع لا. فالثقافة هي زرعٌ، بينما العنف تدمير. الثقافة بناءٌ وتواصل، أمّا العنف فأذىً وقطع صِلات... برأيي، إنّ من أولويّات المثقّف، بالأخصّ المثقّف العضوي المناضل المحبّ للحياة، إعادة النظر في العنف. إنّها المهمَّة التي على عاتق كلّ منّا. قلّةٌ قامت بإعادة النظر هذه، في ظلّ تنشئة ومفاهيم وتقاليد وإيديولوجيّات وتبعيّات دينيّة وسياسيّة إلخ، مجّدت العنف أو جمّلته أو حتّى جعلته نهجًا لا مجرّد وسيلة ظرفيّة. ما من شيء اسمه الضرورة إلاّ بارتباطه بالخير. هذا ما نعرفه منذ أفلاطون الذي بحث عميقًا في ماهيّة الضرورة وماهيّة الخير. من جهّتي، أخلص هنا إلى القول، إنّه حين نضع في قلب كلمة الضرورة أو بدلًا منها، اللجوء إلى العنف على أنّه ضرورة، يصبح إذ ذاك العنف في خطٍّ مستقيم موصول بالغاية التي هي الخير، وهنا تكون الواقعة قد وقعت وعطّلت المفاهيم في أذهاننا، إذ إنّ العنف والخير خطّان لا يلتقيان، فكلّ منهما من طينة نقيضة للآخر. القضايا المحقّة تحتاج إلى القوة والشجاعة، إلى جرأة المقاومة. والقوة ليست العنف. نحن نحتاج أن نكن أقوياء لكن ليس عنيفين. وإذا كنّا لا نعرف كيف أو لم نتعوّد على ذلك، فالتواضع أمام معرفة جديدة كفيلٌ بمعالجة هذه الهوّة في ثقافتنا. وهذا بالتحديد أحد أهداف جامعتنا، جامعتك دكتور شعبان. إنّه دور الثقافة أولاً في أن تعود وتساعدنا في إعادة النظر بين القوة والعنف، في سائر مجالات الحياة. لقد شوّهوا القوّة حين دمجوها بمعاني العنف. لقد جمّلوا العنف حين أضفوا عليه معاني القوّة. وها نحن نرتكب الإعدام ونقول "عدالة"، نرتكب جريمة عائليّة وعاطفيّة ونقول "شرف"، نعلن "السلام" ونرتكب الحرب، نعلن "اللجوء إلى القوّة" ونرتكب العسكرة، نقول "ثورة" ونرتكب القتل، نقول "تربية" ونرتكب صفع الطفل والطفلة... إنّ مسؤوليتنا الثقافيّة الأولى هي في إعادة معاني شجاعة اللاعنف إلى القوّة، وجعل العنف مكشوف الاسم والمعنى كما هو.

دمتُم بخير،
ومبروك للعزيز الدكتور المفكِّر عبدا لحسين شعبان،

13/01/2024

إن من يلجأون إلى اللاعنف يمارسونه كونه قوة. هناك مَن غيروا أنظمة وقوانين وحصّلوا حقوقاً وتحرّروا من الاستعمار والعنصرية والتمييز باللاعنف. اللاعنف خيار الأقوياء في وجه العنف. لأنه هو لا للعنف. واللاعنف إذا لم يكن قوياً لا يكون لاعنفاً.
تقول صديقتنا الأيرلندية الشمالية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام 1976، ميريد مغواير (مناضلة لاعنفية نشطت مع النساء ضد الأسلحة النووية ونشطت لفكّ حصار غزة): «فلنتذكّر أنّ البشرية ألغت العبودية ومن ثمّ العنصرية. والآن، لا تقلّ مهمتنا عن إلغاء العنف والحرب».

''الاحتلال هو القضية ولا بد من إنتاج استراتيجية... وإنسانيتنا هي أخلاقيتنا''

11/12/2023

Ceasefire =Zero Prisoners= Ending the siege

https://forms.gle/J6zFZGP4sppJ6ZKNA

30/11/2023

وقف النار بشكل دائم ومن دون أيّ شرط.
حياة الناس أَولَى من كلّ الشروط،
أساسًا، لا يمكن التباهي بالنصر على أشلاء وأكوام من الجثث.

https://forms.gle/J6zFZGP4sppJ6ZKNA

27/11/2023

500 من الشباب الناشطين/ات اللاعنفيّين/ات
من لبنان وفلسطين وسوريا والعراق ومصر والأردن
في "رسالة مفتوحة":
صفر أسرى = وقف النار = لا حصار

نحن مجموعة من الناشطين/ات اللاعنفيّين/ات، من لبنان وفلسطين وسوريا والعراق ومصر والأردن، نطلق "رسالة مفتوحة"، لالتقاط اللحظة الآن، ونحن في حالة طوارئ تجاه الوضع الساحق في قطاع غزّة، اقتناعًا منّا بأن المسؤوليّة تحتّم أن نخرج، حتّى من الدمار، بمطلب حقّ.
الحاجة الأولويّة الآن التي تجمع كلّ من يرفض الظلم، هي: استعادة إنسانيّتنا في سائر أنحاء العالم، بأن نوقف النار والحصار ونحرّر الرهائن والأسرى والمعتقلين والرفات والجثامين...
"رسالة مفتوحة" للتوقيع عليها، ولإعلاء الصوت والضغط لتحقيقها.

https://forms.gle/J6zFZGP4sppJ6ZKNA

10/11/2023

أوغاريت يونان
«غزّة الآن. 8 نقاط.»

بيروت، 15-10-2023

الأعزاء،
من دون مقدّمات، ومع محبّتي وتضامني مع أهل غزّة وفلسطين، 8 نقاط أضعها أمام الجميع، كي نفكّر معًا:
1. إنسانيّتنا، قبل كلّ شيء وفي مقدّمة كلّ شيء.
2. هدفان أولويّان مشتركان بالتوازي، الآن.
3. الحرب على المدنيّين وبالمدنيّين.
4. لا ننسى أنّ السبب الجذري هو الاحتلال.
5. النتيجة السياسيّة هي السؤال.
6. معسكران يديران الحلبة الآن.
7. لا يمكننا الموازاة بين عنف الظالم وعنف المظلوم. ولا نبرّر أيّ عنفٍ بتاتًا.
8. لسنا محكومين بأحاديّة العنف. مسؤوليّة اللاعنفيّين في العالم.

●لا يقدّم النصّ خطة عمل أو فكرة لتحرّك جذريّ، بل هو محاولة تفكير، تحت وطأة الألم، كُتِب في الأسبوع الأوّل من هذه الحرب.

1. إنسانيّتنا، قبل كلّ شيء وفي مقدّمة كلّ شيء.
وعلى حدّ قول برتراند راسل، "تذكَر إنسانيّتك وٲنسَ الباقي". الإنسانيّة، ليس بالمعنى التبسيطي عن شفقة أو ترحّم على الضحايا أو لوعة وبكاء على الأطفال، فهذا حدّ أدنى... ولا المساعدات والإعاشات التي تُرمى للمشرّدين واللاجئين... ولا العمل الخيري لإراحة الذات وإضاءة شمعة وسط العتمة... ولا حتّى "القانون الدولي الإنساني" المستَهلَك في لملمة الجراح أثناء الحرب والمضروب به عرض الحائط في أكثر الأحيان، الذي يحمل تسمية "الإنساني"، بمعنى humanitarian وفق الكلمة الأصليّة بالإنجليزيّة والتي تعيدنا إلى المنطق الخيري والجزئي لا إلى عمق كلمة إنساني.
إنسانيّتنا هي أخلاقيّتنا. أخلاقيّة العمل السياسي والموقف السياسي. فالسياسة هي أخلاقيّة وفعّاليّة في آن. كلّما ابتعدت الفعّاليّة عن الأخلاقيّة، وقعت في العنف وراحت تبرّره. إنسانيّتنا هي الضمير. والضمير، "القانون الأعلى" بتعبير المفكر هنري ديفيد ثورو مبتكر مصطلح "العصيان المدني"، يتنافى مع العنف جذريًّا. الموقف من العنف، كلّ عنف، هو السؤال الأساس في إنسانيّتنا.
كيف تقف حكومات وبرلمانات وشاشات ومؤسّسات ومؤثّرين من كلّ الأنواع، صمتًا وخشوعًا على ضحايا طرف دون الآخر! كيف يمنع بعضها رفع علمٍ لهذا الطرف والتظاهر لقضيّته ويغرّمه برسمٍ مالي، بينما يبيح أعلام الطرف الآخر

وتظاهراته!؟ الصورة فضحت إنسانيّة هؤلاء، عدا وقاحة الموقف السياسي. كيف يُحصي كلّ طرف ضحاياه ويتلوّى لوعةً، بينما يفرح لوقوع ضحايا في الطرف الآخر؟ هل الإنسان انفصاميّ إزاء القتل، يحزن ويتألّم منه وفي الوقت عينه يفرح به ويتشفّى!؟ وهل في هذا تعبيرٌ إنسانيّ؟ إنسانيّتنا لا تتجزّأ. لا تكون طرفًا. مبدأ الضمير قبل كلّ شيء، ثمّ يأتي التحليل السياسي، لا أن نضحّي بالأول لصالح الثاني. لقد سقط الوجه الإنساني في أكثر من مكان في العالم في امتحان غزّة.

2. هدفان أولويّان مشتركان بالتوازي، الآن.
وقف النار على الفور ومعه فكّ الحصار عن غزّة وليس فقط إدخال مساعدات، وإعادة الأسرى من الإسرائيليّين وجنسيّات أخرى ورُفات مَن قُتِل منهم ومعها تحرير المعتقلين الأسرى الفلسطينيّين في سجون إسرائيل واستعادة الجثامين. هدفان عاجلان أولويّان بالتوازي، قبل أن يفوت الأوان.
تحرير المعتقلين في سجون إسرائيل - إعادة الرهائن والأسرى في 7 أكتوبر / وقف النار - فكّ الحصار.
اختيار الأهداف ووضعها بالتوازي وفي سلّة واحدة لا تجزئة فيها، له مفعول استراتيجي في المنطق اللاعنفي، حيث إنّها تقدّم نتائج في اللحظة، كما تهيّء إيجابًا لاستكمال الحلّ السياسي أو العمل على الحلّ النهائي وهذا يتطلّب الآن وأيًّا تكن نتيجة هذه المعركة، إنجاز حقّ ملموس ’يرمّم‘ حلقة العنف المرتكبة.
إسرائيل وأميركا وحلفاؤهما يريدون تحرير المخطوفين، بأيّ ثمن، وهذا من حيث المبدأ فوق أيّ اعتبار. سيدخلون بأنفسهم إلى غزّة، كالأب الباحث عن ابنه ويحقّ له ما لا يحقّ لسواه، وسيحرقون الأخضر واليابس كأبطال في فيلم هوليودي عديم الرحمة ويعودون ومعهم الرهائن كما يسمّيهم البعض، وسيبرّر لهم العالم البطش أو يغضّ الطرف. لسنا بالطبع متوهّمين من ذرائع إسرائيل وأميركا، التي نعرفها جيدًا، والتي ربّما ليس الأسرى ما سيحتّم دخولها إلى غزّة، أو ربّما لن تدخل لحسابات أخرى أو حتّى سترتّب دخولها بأشكال مختلفة. علينا أن نحوّل هذا الهدف، من ذريعة لحرب أكبر على غزة وداخلها، إلى هدفٍ لنا، لوقف الحرب، وبما يمكّن أيضًا الفلسطينيّين من كسب النتيجة لصالح تحرّر أسراهم.
حماس والجهاد وحلفاؤهما يريدون إنقاذ غزّة ومن واجبهم إنقاذها، وهذا فوق أيّ اعتبار، ويعلنون عن تحرير المعتقلين و"تبييض" السجون في إسرائيل من الأسرى الفلسطينيّين. والحكمة تقضي بقطع الطريق الآن على تحقيق إسرائيل أهدافها المعلنة وغير المعلنة، ومنعها من مواصلة سحق المدنيّين والتهجير والدمار الأكبر في غزّة؛ غزّة التي لم يعد فكّ الحصار هو عنوانها بل أن تبقى على قيد الحياة وفي أرضها. الأولويّة الآن هي البقاء والحفاظ على الأرض؛ أليست الأرض هي المشكلة الأساس، وفلسطين تخسرها تباعًا، وإسرائيل تكسبها وتحتلّ تباعًا!
في اللحظة الحالية لا يمكن إلاّ الإصرار على وقف النار. وقف الشرّ. الذكاء الآن يكون في وقف النار. فهذا ليس بهزيمة، بل براعة في الاستمساك باللحظة. وقف النار، بدون أيّ شرط، فحياة الناس أَولَى من أيّ شرط.
الوقت الآن ليس لرفع راية النصر والاستمرار في تصعيدٍ يوازيه تصعيدٌ أكبر بعنفٍ أكبر وأكبر، ولا للانبهار بمشهديّة عسكريّة وأدوات متفوّقة وبالمزايدة في الانتقام... أساسًا، لا يمكن النصر على الأشلاء. لويس لوكوانLouis Lecoin ، الرائد
اللاعنفي المناضل الفرنسي، كان يقول "حتّى لو ثبت لي أنّ الحرب قد تملك فرصة لتحقيق المُثُل التي أتوق إليها، سوف أقول لا للحرب. لا يمكن تشييد مجتمع إنساني على أكوام من الجثث". إذا كانت إسرائيل تفعلها وتبني مجتمعها على أكوام من جثث، الفلسطينيّين منهم بالذات، والمؤيّدون للسلاح يفعلونها أيضًا، فهل نفعلها نحن بألاّ نوقف النار وإنْ كان ذلك بتواطؤ غير مقصود منّا؟


3. لا ننسى أنّ السبب الجذري هو الاحتلال.
احتلال فلسطين هو القضيّة. والسؤال ما زال هو هو: كيف نعود ونُوجِد الدولة المستقلة الكاملة التي اسمها فلسطين؟ إنّه سؤال وجوديّ واستراتيجيّ، لا معركة من هنا أو اشتباك من هناك أو حسابات تعني أميركا وإيران والسعودية وأوروبا... ها نحن في مطلع العقد الثامن لقضيّة فلسطين التي لا تزال تحرّك العالم، ولا حلّ ولا عدالة لغاية الآن.
داعمو مشروع إسرائيل منذ تقديم هديّة إنشاء الكيان وزرعه ’فوق‘ فلسطين وأرضها وأهلها، ثمّ السخاء بدعم توسّعه، نفضوا عنها صفة الاحتلال، وسارعوا لتكريسها دولة في لحظة نشوء الأمم المتحدة بالذات، ’يغنّجها‘ الغرب وحلفاؤه، بما في ذلك دول عربيّة، بتنكّرٍ هائل للعدالة. كيانٌ فُرض على يد خبث الاستعمار ومصالحه السياسية والاقتصادية، ومحاولة بعض الغرب التكفير عن ذنوبه في اضطهاد اليهود، عبر إعطاء شيء ممّا ليس لهم، فكانت الهديّة من ’كيس‘ الفلسطينيّين وعلى حسابهم، بالتهجير والقتل والتفتيت وسرقة الحقوق والذلّ والاعتقال والقرارات المنحازة...لغاية غزّة الآن. أرادوا فبركة حلّ "لعدالة" اليهود، فخلقوا مشكلة لاعدالة تاريخيّة لفلسطين. ما هذه السياسة!
مبدأ الاحتلال هو الذي عمل داعمو اسرائيل ومشروعها على محوه وإبطال معناه بما يشبه الإنكار. لذا، لا حلّ إلاّ بالعودة إلى جذر المشكلة.

لسنا أمام حلّ لنزاع محدود أو حالة ظرفيّة. كلّما تأخرنا وأخطأنا في الاستراتيجيّة، سيعود العنف باستمرار وبفنونٍ أعنف و’أرفع شأنًا‘. إنّها مسألة وجوديّة، لفلسطين، والمنطقة، وللعالم أجمع. المسألة اليوم ليست خرقًا عسكريًّا أو صاروخًا حديثًا أو مجموعة أسرى جديدة أو هجوم برّي أو مستشفىً هزّ أنينه العالم ولا حتّى "حماس" أو "غالانت ونتنياهو" ولا حتّى حصار غزّة... الاحتلال هو السبب الأول والجذري، والقضية اسمها فلسطين. هذا ما يجب أن يتذكّره الجميع.

أمّا فظاعة العنف الآن، فقد ظهّرت للملأ كم أنّ العنف يجترّ العنف ويجرّ الجميع تحت وطأته، وكم يفرض في كلّ مرّة مزيدًا من تراجع الحلّ وتفتيت القضيّة. ألا نرى أنّ الحلّ لم يتحقّق بعد، على مدى سبعة عقود، منذ إعلان كيان إسرائيل عام 1948 وتكريس النزاع!؟ هذا النزاع الذي حمل طويلاً عنوان "العربي الإسرائيلي" تضاءل إلى "الفلسطيني الإسرائيلي" ثمّ "حماس إسرائيل" و"حزب الله إسرائيل" ثمّ "ماذا نعطي لفلسطين لتسهيل التطبيع"... الإنقاذ هو العنوان، بالإصرار الفوريّ على حلّ متكامل ومحقّ يعود بعقارب الوقت إلى لحظة الاحتلال الأولى، وهذا يتطلّب فكرة مبتكرة.

4. الحرب على المدنيّين وبالمدنيّين.
المشهد تائه بين ش**ة العنف واستثمار العنف والنفور من العنف.
للأسف، وعلى الرغم من كلّ ما حصل، ش**ة العنف واستثماراته مستمرّة ومتصاعدة.
ولحسن الحظّ، وربّما لفظاعة ما حصل، النفور من العنف والمواقف ضدّه مستمرّة ومتزايدة.

في كلّ طرف، التوعّد بمزيدٍ من العنف على قدمٍ وساق. كلٌّ يمنّي النفس بانتقامات أكثر وأكثر بما لا يتصوّره الآخر وبما سيُبهر. في الوقت عينه، الرأي العام في أنحاء عديدة من العالم منتفضٌ بوجه العنف ويدعو إلى وقفه، حتّى لو كان جزء من تأييد وقف العنف على غزّة ما كان ليحصل لولا فظاعة العنف على المدنيّين.

"الحرب بالمدنيّين"، التي يستخدمها الظالم ويستخدمها المظلوم، مصطلح بات معروفًا في فنّ الحرب، حيث يتمّ تحويل المدنيّين أدوات لكسب المعركة وكسر الخصم، وحيث لا يعود البشر بشرًا، بل "أسلحة" وأهدافًا يقتنصها الخصم، لذا لا يهمّ إنْ تمّ تدميرهم، فهُمْ أشياء. وكما تقول الفيلسوفة الفرنسيّة اللاعنفيّة سيمون فايل "العنف هو ما يجعل كل مَن يخضع له، شيئًا. وحين يمارَس العنف حتّى النهاية، يجعل الإنسان شيئًا بالمعنى الأكثر حرفيّة، إذْ إنّه يجعله جثّة".
المؤيّدون لأحقّية القضيّة الفلسطينية كثُر في سائر أنحاء العالم، بما في ذلك في الدول المنحازة لإسرائيل. يبقى أن يؤيّدوا النضال بغير العنف. "يظنّ العنفُ أنّه يقضي على الشرّ، لكنّه هو نفسه شرّ"، بكلمات فيلسوف اللاعنف الفرنسي جان-ماري مولر. ما يقلقنا، هو أنّ الساعين إلى العدالة، جزءٌ منهم وإنْ كان يرفض الحرب على المدنيّين، لكنّه يدعها تحصل للأسف، ويستثمرها، وإنْ أبادت وشنّعت، فهذا من وجهته ثمن بلوغ العدالة ومصدر لاستدرار التأييد وأحيانًا بتفسيرات ’تبارك‘ لتُكمل في العنف.

5. النتيجة السياسيّة هي السؤال.
في عِلم السياسة، كما في فنّ الحرب، يتمّ استخدام الوسائل والاستراتيجيّات، من أجل بلوغ نتائج سياسيّة لصالح القضيّة المطروحة أو المتنازع عليها. النتيجة السياسية هي السؤال وهي الهدف. وهذا أيضًا في النضال اللاعنفي واستراتيجيّاته، مع فارق جوهريّ جدًا، حيث في العمل اللاعنفي الوسائل والغايات مترابطة كالشجرة والبذرة على حدّ قول غاندي؛ غايات نبيلة نحقّقها بوسائل نبيلة. بينما في العنف والسياسة الماكيافيلّية، كلّ شيء مباح، والقسوة على أشدّها.
يقول مؤيّدو إسرائيل إنّ من حقّها الدفاع عن النفس وضرب "حماس" وتدميرها، ويستطرد البعض بتصويرها كما "داعش". وهذا ما يتمنّاه أساسًا كثُر هنا وفي العالم، بغضّ النظر عمّا جرى الآن، فيصدّقون أو يروّجون أنّ هذه هي النتيجة السياسيّة للمعركة التي تخوضها إسرائيل وأميركا وحلفاء وأتباع، على الرغم من ترويجات مماثلة وفاضحة لم يجفّ دمها بعد (العراق، القاعدة، طالبان، 11 سبتمبر، داعش، إلخ).
ويقول مؤيّدو "حماس" وحلفاؤها وأيضًا مؤيّدو "حزب الله"، إنّهم يرسمون من جديد خطّ القوّة بين اللاعبين الكبار أميركا وإيران، بدعم من إيران ومباركتها، ويضيفون أنّ المعركة الآن وما قامت به "حماس" وأيضًا "حزب الله" أعاد فلسطين إلى المشهد إلى الطاولة على نحوٍ غير مسبوق وبالنصر. الواقع أنّ غزّة هي في خسارة كلّ يوم، والوقت المتمادي هو لحرق الأرض ومَن فوقها وتحتها ولخسائر أفظع سترسم هي النتيجة السياسية. صحيح أنّ موضوع فلسطين يملأ الشاشات، لكن عن أيّ طاولة يتحدّثون وبأيّ ثمن ولمصلحة مَن؟ لا ننسى أنّ من يأتي بالثمن يقطفه لصالحه، وتكون هذه هي النتيجة السياسيّة. فهل نحن مع مَن سيقطف؟ علينا النظر إلى البعيد وفي العمق، أبعد من المشهد الآنيّ. لا ثقة لنا بأطراف العنف، بأصحاب النفوذ المسلّح، الذين غطّى عنفهم على الموضوع وفرض نفسه، ونحن لسنا متأكدين من غاياتهم...
النتيجة السياسية التي نتطلّع إليها، تُقاس بإعادة العدالة والسلام للشعب الواقع تحت الظلم، لا بمغانم عسكريّة، ولا بحسابات محلّيّة وإقليميّة ودوليّة تفوح منها رائحة ’المركنتيليّة‘ على حساب الحقوق.



6. معسكران يديران الحلبة الآن.
كيف يقبل العالم بوجود كيان أو دولة قائمة على الاحتلال والأبارتيد والعقيدة الدينيّة التي تدّعي "تفوّق شعبها المختار"، إسرائيل، وفي مداميكها الأولى ميليشيات وتنظيمات سياسية عسكرية بعقيدة عنفيّة، مثل "الهاغاناه" والتنظيمات الصهيونيّة المتتالية والمتشابهة، وإنْ كانت إسرائيل تُعرِّف عن نفسها أنّها دولة ديقراطيّة؟ ومن دون أيّة مقارنة، كيف نؤيّد نحن وجود تنظيمات فلسطينيّة فئويّة عسكريّة بعقيدة دينيّة متطرّفة، ولو كانت تعرِّف عن نفسها بأنّها مقاومة وطنيّة؟
معسكران يديران الحلبة الآن، ومعهما في غرفة القيادة على رأس الطاولة، المعسكران الأكبر، أميركا وإيران. ألمْ ننتبه إلى ’الغزل‘ والتصريحات المتوازية ودوزنة النبرة بين أميركا وإيران! هما "في شراكة وجوديّة، في تلاقح للشرّ"، بكلمات المفكر اللاعنفي وليد صلَيبي في كتابه "قوى موت قوى حياة".
نحن بالتالي أمام معضلة إضافيّة تتمثّل في الطبيعة السياسيّة لمن بيدهم قرار الساحة الآن، في ظلّ تصاعد قوى التطرّف. هذا عائقٌ بذاته، أمام أيّ حلّ للعدالة والسلام، وأمام أيّة خطّة للتغيير بغير العنف.
بالمقابل، الساحة بدت متروكة لهذين المعسكرين، في ظلّ الضياع أو النقص على مستوى القوّة الجماعيّة المنظّمة للحركات المدنيّة السلميّة، إضافة إلى ’الحجر‘ الذي فرضته إسرائيل على الضفّة وباقي مناطق فلسطين ومنعت التعبير والتحرّك فشلّت القدرات واعتقلت وقتلت وبثّت الترهيب...
من جهّتنا، نرفض العنف من أيّ طرف، ونرفض الإرهاب من كلّ طرف، ونرفض إيديولوجيّات العنف باسم الدِين، ونرفض التلاعب الشرّير بشعوب العالم وقضاياها من قِبل دول الهيمنة غربًا وشرقًا، كما نرفض أساسًا عسكرة المجتمعات وإدخالها في مجاهل مغلقة، فهذا يدمّرنا جميعًا ويؤذي القضيّة.

7. لا يمكننا الموازاة بين عنف الظالم وعنف المظلوم. ولا نبرّر أيّ عنفٍ بتاتًا.
كما يقول وليد صلَيبي، الذي كتب كثيرًا من أجل مقاومة لاعنفيّة في فلسطين:
*"باستخدام العنف، يتساوى، في لحظة العنف، صاحب القضية المُحقّة وصاحب السياسة الظالمة".
*"أن يحدث عنف المظلوم بفعل الغضب واليأس، إزاء القهر والإذلال، أمر إنساني نفهمه، من دون أن نبرّره. أمّا أن ’يُؤدلَج‘ العنف ويصبح استراتيجيّة عمل ونهج تفكير وحياة وصولاً إلى تمجيده، فهذه مسألة في غاية الخطورة".
*"لا أرى العنف يحقّق غاية عادلة مرجوّة. لسببٍ بسيط، ليس لأنّه لا يمكنه الانتصار في معركة أو أخرى، بل لأنّه يهزم صاحب القضية المُحقّة. إنّ قضية نبيلة تستوجب وسائل نبيلة. ويمكن القول، إنّ لحظة قمّة الانتصار العسكري على الخصم هي لحظة قمّة هزيمة المناضل للقضية المحقّة. هُزِم الخصم عسكريًا، هُزِم المناضل إنسانيًا، انتصر العنف".
*"عنف الظالم يخدم قضية الظالم. عنف المظلوم يخدم أيضًا قضية الظالم".
*"من مصلحة قوى الموت قوى العنف، عَسْكَرَة الصراعات السلميّة. من مصلحة قوى الحياة قوى النضال اللاعنفي، "نَزْعَسْكَرَة" الصراعات العنفيّة".
*"نعم للمقاومة لا للعنف".


8. لسنا محكومين بأحاديّة العنف. مسؤوليّة اللاعنفيّين في العالم.
العنفيّون موجودون. واللاعنفيّون موجودون. لسنا محكومين بأحاديّة العنف في غزّة وفلسطين ولبنان والبلدان العربية ومجتمعات العالم وفي إسرائيل أيضًا. الأمل موجودٌ إذن. نفقد المنطق إذا ما صوّرنا كلّ طرف وكأنّه كتلة واحدة بتوجّه واحد تدميريّ ومطلَق: الكلّ في إسرائيل عنصريّون عنفيّون محبّون للاحتلال وإلغاء أهل فلسطين وتهجير أهل غزّة الآن. الكلّ في فلسطين عنفيّون متطرّفون دينيًّا رافضون للسلام محبّون للعسكرة وإلغاء الطرف الآخر. العنفيّون ينصبون مثل هذا الفخّ،
فكيف نقع فيه! هم بحاجة له، ليس نحن ولا القضيّة.
مهمّتنا الأولى، على الفور، جمع هذه القدرات اللاعنفيّة، الفرديّة والجماعيّة، والمتضامنين معها في العالم، ودعمها وإبراز صوتها، والإسراع في ذلك، كي لا تبقى الصورة أمامنا على الشاشات عنف بعنف وكأن لا حلّ آخر سوى توازن الرعب. وحين يتجمّعون، سترون الصورة بحجمها المذهل. لا ننسى أنّ الأكثريّة المنتظرة حلولاً بغير الدمار، وبينهم مَن هم تحت الدمار الآن، هي مع الحلّ اللاعنفي، وفي أقلّ الأحوال ليست مع الحلّ العنفي. تصوّروا أنّ الدعم الهائل المالي والسياسي والعسكري والإعلامي والبشري وسواه، الذي تحظى به قوى العنف، أُعطي بمقداره لقوى اللاعنف، أو نصفه أو ربعه، لكان تغيّر وجه التاريخ.
اللحظة مفصليّة. لا تشاؤميّة. ومن الخطأ بمكان أن نترك الساحة والقرار لمريدي العنف. موقفنا يجب أن يكون هجوميًّا، لا خجولاً أو تبريريًّا حول خيارنا في المقاومة اللاعنفيّة وصناعة الحلول بغير العنف. لقد برهنت "انتفاضة الحجارة" بخيارها اللاعنفي الحاسم، أنّها أقوى نموذج لنضال شعبي لاعنفي عربي فلسطيني معاصر. وكما يقول وليد صلَيبي في كتابه حول انتفاضة الحجارة وانتفاضة الأقصى (2005)، أنّه "ما كان يجب وقف الانتفاضة اللاعنفية لدى الذهاب إلى المفاوضات، بل الاستمرار والتصعيد بوسائل لاعنفيّة أقوى...".
القضيّة الفلسطينيّة ما زالت تترنّح في مكانها إن لم نقل بأنّها تقهقرت. الشعب لم يتقهقر، بل طرق المعالجة هي التي لم تأتِ بنتيجة إلى الآن. آن الأوان، لا بل تأخرنا عقودًا، كي نقرّ بأنّ فلسطين تفتّتت أمام أعيننا، وأنّنا بحاجة إلى إعادة النظر في استراتيجيّة مقاومتنا كما في ابتكار الحلول. أهل فلسطين، جزءٌ منهم في الخارج منفيّ ومهجَّر ولاجئ بات اسمه "الشتات"، وجزءٌ في الداخل هو أجزاءٌ محاصرة في معتقلات بات اسمها "ما تبقّى من فلسطين". فلسطين المحتلّة. هكذا اسمها إلى الآن، ليس فلسطين فقط، بل اسمٌ وكنية، بانتظار الانتهاء من هذه الكنية. وما يحقّ لأهل فلسطين القيام به هو التمرّد على الظلم. ونحن نريده بالطبع لاعنفيًّا. وكما يقول ألبير كامو "أنا أتمرّد، إذن نحن موجودون... التمرُّد، في أساسه، يتقيَّد برفض الذلّ من دون استجلابه على الآخر".

أوغاريت يونان
مؤسِّسة جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان AUNOHR
بيروت، في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023