20/04/2023
سبحان مغير الاحوال
قبل ٩٠ عاماً كانت تركيا تحارب وتمنع المهربيين من ادخال بضائع التجار والصناعيين الحلبيين اليها::
كتب الاستاذ صالح زكور
وليم مارتان يصف مدينة حلب :
عن جريدة البيرق الصادرة في بيروت بتاريخ ٨ كانون الاول ١٩٢٩ م " نشرت جريدة جورنال دي جنيف المقالة الثالثة لرئيس تحريرها مسيو وليم مارتان عن بلادنا ، وهي تتضمن وصف ما رآه في حلب عاصمة شمالي سوريا ، ويزداد كل يوم الاعتقاد إن رحلته إلى لبنان وسورية لم يكن يقصد بها إلا الدعاية لمصالح لاتتفق مع أماني البلاد ، واليكم ترجمة مقاله الثالث :" وبعد ، فهاكم مدينة لاتستمد شهرتها من ماضيها أو من خراباتها ، ولكن من نشاطها الحاضر ، إن حلب هي مدينة مستديرة مبنية حول قلعة حصينة تشرف على الساحل كله ، وبنايات القلعة في الطبقة السفلى بيزنطية ، ويجد المرء مشاهد جميلة عند بحثه الأقبية والآبار والرواقات التي في جوف الهضبة ، على ان كل مافوق البناء ، وكل ماينظر هو من القرن الرابع عشر ، وهي من أجمل القلاع العربية ، ولهذا عمد الفرنسيون إلى إنشاء أعمال عظيمة فيها للتنقيب عن الآثار وحفظها ، وحلب مشهورة بين جميع مدن سوريا بأسواقها ، وهذه الأسواق متسعة مغطاة ، فيها لكل حرفة وصناعة حظيرة ، حظيرة للنساج وحظيرة للإسكافيين وحظيرة للحرير ... الخ . ولكن الذي يربو على ما عداه هو المأكل ، وإن المرء ليتساءل : هل هؤلاء الناس يأكلون في بيوتهم ؟ لما يراه من كثرة الحوانيت التي يباع فيها كل نوع مما يؤكل ، أو مالايؤكل عند الغربي ، معجنات وحلويات من جميع الألوان ومن جميع الأشكال ، وأسياخ اللحم المشوي ، وسلل من اللوز والبذور ....الخ . وشهرت حلب لم تأتي إتفاقاً ، وإنما ترجع في الأصل إلى أن حلب ، وهي مدينة كبيرة تحيط بها الصحراء ، كانت دائماً مركز تجارة عظيمة لما يباع متفرقاً وجملة ، وهي تمون كل تلك الشعوب الكثيرة المتحركة التي هي على الدوام في حالة الهجرة ، تنتقل حسب الفصول من الجنوب الى الشمال ومن الشرق الى الغرب ، تأتي الى المدن لكي تبتاع الاغراض التي تبتاع الاغراض التي تحتاج اليها ، والحق يقال إن حالة حلب من هذا الوجه لم تبق منه ماكانت عليه سابقاً ، بل تبدلت تبدلاً عظيماً تحت تأثير العناصر المتنوعة ، فقد كانت حلب قبل عشرين سنة أهم محطة للقوافل ، ولم يكن من النادر أن تشاهد فيها وصول قاطرات من ألف جمل أو أكثر جالبة الى السوق جميع محصولات الصحراء ، وآخذة الى الشرق والشمال جميع محصولات الحياة الغربية ، وقد كانت حلب وقتئذٍ ، لأجل اوربا ، وسيطاً إجبارياً سواء لمشتري الصوف مثلاً أو لبائع البضائع القطنية ، وإن فتح سكة حديد بغداد قد زاد أيضاً في أهمية حلب ، إذ جعلها رأساً لخط الصحراء ، ووصلها في طريق مستقيم بالقسطنطينية وأوربا الغربية ، ومن هذا الوقت بدأت العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين حلب وألمانيا ، إن إقامة حدود جديدة كانت ضربة كبرى لحلب ، فقد كانت هذه المدينة سوقاً لبلاد لم يبق أكثرها اليوم تابعاً لسورية ، كالموصل في العراق وديار بكر في تركيا ، بحيث أنه إذا استمرت الأمور تجري مجراها الطبيعي ، فيمكن التنبؤ لحلب بتقهقر سريع ، ولكنه لايكون شيء من ذلك ، وهذا يثبت أن الدواء هو على الغالب قريب من الداء ، إن الجمل ينقرض ، ولكن السيارة تأخذ محله ، فحلب قد أصبحت أو هي على وشك أن تصبح مركزاً مهماً للطرق ، وعن قريب سيشتبك سبع جادات كبرى في هذه النقطة ، إن للجغرافية حكماً لايقاوم ، وحينما يكون لإحدى المدن أسس اقتصادية متينة ، فإنها لا تضمحل بسهولة ، الحدود التركية يمكن أيضاً التغلب عليها بطريقتين : فأولاً إن حلب على انفصالها عن الإمبراطورية التركية القديمة ، تبقى مركزاً للترانزيت لأجل التجارة بين اوربا وتركيا ، وهذه الحقيقة التي تظهر غريبة لاول وهلة ، تتأتى عن كون تجار حلب يعرفون الزبائن الاتراك ، وهم يبيعونهم بالدين منذ زمن قديم ، والتجار الأوربيون الذين يصدرون بضائعهم ، يفضلون أن يتعاملوا غالباً مع الوسطاء في حلب على التعامل مع التجار الاتراك رأساً ، ثم إذا كانت البضائع التي يحظر عليها أن تجتاز الحدود لأنها ممنوعة ، فإن هذه البضائع تجتاز الحدود يومياً على أيدي جماعات كثيرة من المهربين ، والاتراك يشتكون من ذلك ويطلبون الى الفرنسيين أن يمنعوا التهريب ، فيجيبهم : إننا نفعل ذلك عن طيب خاطر ، ومهما يكن ، فمن المؤكد ان حلب تخسر تجارتها مع تركيا ، ولكنها من جهة أخرى خسرت تجارتها مع العراق ، لان هذه المعاملات صارت تجري رأساً على أيدي وسطاء إنكليز ، والغريب ان العلاقات التجارية هي اسهل مع تركيا التي تحظر التجارة ، مما هي مع انجلترا التي تبيحها ، ولكن هذه المدينة باقية مع الصعوبات التي تلقاها أحد المراكز العالمية للصوف ، وفي حد ما للقطن ، وهي خزان للبضائع ، وربما تصبح يوماً ما ، وهذا مطمحها ، مرفأً حراً ، وهي تعمل بجد ونشاط ، وتعطي مثالاً جميلاً للغربيين الذين يظنون الشرق نائماً ، أحلب نائمة ؟ ، كلا ! ، إنها أشد نشاطاً من أمستردام ، وإن تجارها وصيارفها ومصدري البضائع فيها ومتعهدي النقل هم قدوة بكونهم لايتذمرون في بلاد وفي وقت تجد كل الناس تقريباً فيها يتذمرون "
صالح زكور ،، حلب ٢٧-١٢-٢٠١٩ م.....
المصدر صفحة توثيق تراث حلب