08/02/2023
شرم الشيخ " ماقبل وما بعد حسين سالم "
اولا: المقدمة:
بأعتبر نفسي، زي ماهو باين في الصورة، من أوائل اللي راحوا وبنوا بيت في شرم الشيخ: يعني من المصريين القلائل اللي شافوها من وقت استلامها من اسرائيل، ومارسوا هناك رياضات الغوص والرحلات الصحراوية والطيران، واشتغلوا في التعمير والتجارة من سنة ١٩٨٤ وحتي ١٩٩٦، ولذلك لا يمكنني تجاهل الحديث في وفاة احد اهم المصريين الذين ارتبط اسمهم بشرم الشيخ، وهو السيد/ حسين سالم.
نعم! عشت شرم الشيخ، وتابعت تطورها لمدة اتناشر سنة، منها ست سنوات قبل ظهور حسين سالم، وست سنوات اخري بعد ظهوره هناك.
لكن خلينا نرجع من البداية، لما كانت شرم الشيخ مجرد سهل صحراوي ينحدر من الجبال، ويطل بحافات صخرية علي البحر الأحمر. صحيح! شرم الشيخ (او الشرم كما يسميها الشرماويه) بتبص علي البحر الأحمر نفسه وليس علي خليج العقبة كما يخطيء الكثيرون. فمنطقة شرم الشيخ وما يجاورها من شروم ( وشروم يعني خلجان) يمكن تعريفها اجمالا بانها الشريط الساحلي الممتد من راس محمد جنوباً، وحتي راس النصراني في الشمال. والمسافة دي كلها طولها حوالي ٣٠ كيلومتر. ورأس النصراني عبارة عن بروز لرصيف الشعاب المرجانية، يمتد داخل البحر لمسافة كيلومتر واحد تقريبا فيشكل بذلك هيئة تحكم، وتخنق، مدخل مضيق تيران، فتعتبر بذلك الحد الفاصل ما بين جسم البحر الأحمر، وذراعه الممتدة شمالا باسم خليج العقبة.
سنوات ماقبل حسين سالم:
اترفع العلم المصري علي مدينة رفح يوم ٢٥ ابريل سنة ١٩٨٢، فكان بمثابة اعلان اتمام كافة مراحل الانسحاب الاسرائيلي واسترداد مصر لكامل سيناء (باستثناء راس طابا)، ولذلك اعتبر عيد تحرير سيناء هو ٢٥ ابريل. لكن استلام شرم الشيخ كان قبل رفح بأربعة ايّام.. فبالرغم مِن التزام اسرائيل باتفاقية السلام، الا انهم تمسكوا لاخر لحظة بشرم الشيخ، اكثر مِن تمسكهم باي موقع اخر. اشمعني؟ لانها "عوفيرا -Ophera" - وعوفيرا هو الاسم الذي اطلقه الاسرائيليون علي شرم الشيخ، فكانت هي المستوطنة الاسرائيلية الأكبر، ومقر لقواتهم الجوية، والميناء الأهم في جنوب سيناء. ده غير اللي ذكرته لكم عن انها النقطة اللي بتتحكم في مضيق تيران، وهي النقطة اللي لما حط فيها عبد الناصر مدفع كبير علي شاطئ راس النصراني علشان، قال ايه، يسد المضيق، قامت حرب ١٩٦٧.
سنة ٦٨ كانت اسرائيل خدت سينا كلها ، و عملت الشرم قاعدة استراتيجية، وبنت كام فندق تعبان ومساكن مستوطنة خرسانية ومدسة بيئة وفضلت الشرم بتاعتهم لمدة ١٤ سنة.
وكان ذهابي الي سيناء لاول مرة بعد انسحابهم وتسليم ادارتها الي المخابرات العامة المصرية. ومن رجالات المخابرات المتقاعدين من كنّا نعرفهم جيدا، كمحمد بك نسيم، الذئب الأسمر، وهو الضابط المصري المسئول عن اعمال الجاسوس المصري رفعت الجمال والشهير لدي عامة المصريين باسم "رأفت الهجان".
تم تكليف نسيم بالحفاظ علي استمرارية النشاط السياحي الذي بدأه الاسرائيليون في جنوب سيناء، فأعاد تشغيل الفنادق السياحية التي خلّفها المستثمرون اليهود في عوفيرا (اللي هي شرم الشيخ) وديزاهاف (دهب ) والنويبع (نيفيوت)، وأسس لإدارتها شركة مصرية هي "شركة جنوب سيناء للفنادق ونوادي الغوص". وعمل نسيم ايضا علي تشغيل مطارات سانت كاترين والطور ورأس نصراني، وتشغيل خط طيران مصري، وفقا لبنود اتفاقية السلام، تحت اسم "اير سينا".
ويتعرج ساحل شرم الشيخ فتظهر فيه الخلجان التي، كما ذكرت، يطلق عليها "الشروم". فعرفنا هناك شرم الميه، وشرم العاط وشرم الغزلان، وغيرها. ولكن الجزء الذي اهتمت به مصر هو المنطقة الواقعة ما بين "شرم الميناء" وشرم العاط المعروف "بخليج نعمة". لم يترك الاسرائيليون علي ساحل الشرم سوي ثلاثة فنادق اغلبها من الخشب: أصغرها فندق "كليف توب" المطل علي الميناء، والي جواره أنشأت الادارة المصرية مبني مجلس المدينة وقسم البوليس. وكانت اجرة المبيت فيه جنيهان بالإفطار. وثانيها فندق "اكوا مارين"، وثالثها هو أكبرها وكان اسمه فندق مارينا شرم، وكلاهما علي جانبي شرم العاط. اما باقي شاطيء الخليج فلم يقم الاسرايليين ببناء اَي شيء فيه تحسبًا للسيول. فاكبر مخرات السيول في تلك الصحراء هو مجري "وادي العاط"، وما ادراك ما سيل العاط.
في البداية لم تكن هناك حركة سياحة بالمعني المعروف. فبخلاف شباب الجربنديات، الback packers ، من بقايا عصر "الهيبيز" وفلول ثورة "الفلاور باور"، وآخرين من ذوي الأرواح الهائمة، والباحثين عن المغامرة في اركان العالم البعيدة او المنعزلة، لم اشهد صناعة سياحة غير تلك التي كان مصدرها مراكز الغوص الملحقة بمنشآت شركة سينا للفنادق ونوادي الغوص.
وكان يعمل علي إدارة هذه المراكز اجانب (اغلبهم ألمان) ممن بقوا في سيناء من زمن الاحتلال الاسرائيلي . وبالرغم مِن عدم ارتياح السلطات المصرية لهولاء وريبة الامن من سبب بقائهم، وبالرغم من عدم ثقة هولاء في السلطات المصرية "الجديدة والغريبة عليهم"، الا ان "نسيم" نجح في تهدئة مخاوف الأجانب الذين بقوا وعمل علي احتوائهم، وسلمهم إدارة نوادي الغوص لانهم الوحيدون (اللي فاهمين الشغلانه) وهم وحدهم القادرون علي ادارتها وتحقيق استمرارية العمل. لم يكن هناك غطاسين او مدربين غطس مصريين علي الإطلاق. ماحدش كان بيفهم في الغطس خالص، وكل المصريين اللي اشتغلوا في شرم (في اَي مجال ودون اَي استثناء) اتعلموا السياحة علي يد هولاء الأجانب ذوي الشعور الطويلة والذقون الأطول، والذين كانوا يرتدون فقط مايوه ليلا ونهارا طوال شهور السنه.
ومع الوقت تعلم المصريون رياضة الغوص بدرجاتها (غطاس مياه مفتوحه، غطاس متقدم، غطاس إنقاذ، غطاس ماستر، واخيرا غطاس معلم/أستاذ). ولا يحق لاي فرد ان يقوم بالإرشاد تحت الماء دون ان يحصل علي الاقل علي درجة الماستر. فكانت "كورسات الغطس" دراسة أكاديمية وعملية يجب ان يكرس الشاب لها نفسه لينجح في امتحاناتها الصعبة. ونجح مجموعة صغيرة مِن شباب المصريين واحداً تلو الاخر، وبدا بعضهم يفتح نادي غوص خاص به، وهكذا حتي نجحت خطة "نسيم" في افادة المصريين من خبرة الأجانب ونقل ا